المؤتمر السنوي الثاني لكتّاب بلاد الرافدين - بيت النهرين

المؤتمر السنوي الثاني لكتّاب بلاد الرافدين - بيت النهرين

بقلم د عضيد يوسف ميري

بادرت مؤسسة الجالية الكلدانية وبالمشاركة مع المركز التراثي الكلداني في مدينة ويست بلومفيلد (نادي شانندوا) باستضافة المؤتمر السنوي الثاني لكتّاب بلاد الرافدين (بيت النهرين) يوم السبت 11 نوفمبر 2023 في قاعة الألعاب الرياضية (وايرلس فيشن) الواقعة في بناية مؤسسة الجالية الكلدانية – ستيرلنك هايتس.

حضر هذا التجمع عدد من الكتاب المشاركين والضيوف المهتمين بالمعرفة والأدب والشعر والتراث، وتناولت مواضيع الندوة اختصاصات مختلفة شارك في تقديمها مجموعة من الكتاب وهم:

روي كًيسفورد: تطوير الكُتاب الجدد وسط مجتمع الناطقين بالآرامية ومن المهتمين الأخرين

سعد مراد: الكتابة عن الإبادة الجماعية للأزديين والبقاء

وئام نعمو: المرأة الأسطورية في بلاد ما بين النهرين

د. صباح يعقوب: جوانب معينة من الشعر العربي

د. عضيد يوسف ميري: تجربة الكتابة وأهمية التعليم وتثبيت الهوية الكلدانية المستقبلية

روي كًيسفورد هو مؤلف كتاب الحفاظ على اللغة الكلدانية الآرامية، وهو مدرس للغة الإنكليزية وناشر، ومعلم آرامي، ومتحدث عام، ومؤسس دار النشر (دعوا الضوء ينفذ) التي أسسها لغرض مشاركة المعرفة مع الأخرين وتشجيع المؤلفين الطموحين على تقديم وطبع المخطوطات اللغوية المكتملة.

وتناول في محاضرته القيمة وبالتفصيل الخطوات والدراسات العملية التي قام بها لتعليم نفسه ورغبته القوية في الحفاظ على اللغة الآرامية الثمينة التي يعتبرها أم اللغات وإن تأريخ الإنسانية يسير بجوار هذه اللغة منذ القِدم، كما وبيّن شغفه ومحبته للغات التي بدأت برحلته الشخصية لتعلم اللغة الآرامية، وبين الأسباب التي تجعل اللغة الآرامية المهددة بالانقراض تستحق الإنقاذ من خلال مشروع تجريبي لتدريس اللغة الآرامية وبالتعاون مع الأب الكلداني مايكل بزي في سان دييغو – كالفورنيا. إذ في عام 2013، بدأ بنشر كتب ألاب بزي وغيرها التي تعني بالمواضيع التراثية واللغوية مثل الآرامية الحديثة والكلاسيكية، والكلدان، وعن قرية تلكيف والناطقين بمشتقات اللغات الآرامية الأصول مثل الكلدانية والسريانية والأشورية والعبرية والعربية والنبطية وغيرها من اللغات السامية.

كما وضح كًيسفورد أن التدريس يمكن أن يكون وسيلة فعالة للحفاظ على اللغة وكشف عن بيانات وقياسات مختلطة تدعم بحوثه وتؤسس لأهمية تدريس اللغة الآرامية، إذ قام بتدريس ونشر اللغة الآرامية في العديد من المواقع والمراكز بما في ذلك الكنائس، والمركز الثقافي الكلداني في مدينة ويست بلومفيلد- ميشيغان، وجامعة دوشيشا في كيوتو- اليابان.

وختم بتلخيص النتائج التي توصل إليها وتوصياته للباحثين والأكاديميين في المستقبل وشجيع الطلاب والراغبين المهتمين بتعلم اللغة الآرامية بالاتصال به مباشرة.

سعد مراد هو صحفي وناشط في مجال حقوق الإنسان، ولديه شغف كبير وطموح في إحداث التغيير والتطوير المعرفي المتعلق بمحنة إبادة الأزديين في العراق ويشغل حاليًا منصب عضو مجلس إدارة في يزدا (المنظمة اليزيدية العالمية) والمركز الثقافي اليزيدي في لينكولن، نبراسكا. وشغل في السابق، أدوارًا محورية كمدير الإعلام والاتصال في يزدا وكمدير إعلامي وإداري للناشطة اليزيدية والحائزة على جائزة نوبل للسلام عام 2018، نادية مراد.

قدّم سعد منظورًا مفصلاً لعمله، ورحلته الشخصية التي هي شهادة على صموده، حيث نجا من الإبادة الجماعية عام 2014 في سنجار أثناء هجمات داعش على الإيزيديين. واستعرض صورة تاريخية شاملة وواضحة عن حجم مأساة الأزديين التي نجمت جراء حملات الابادة والفرمانات المستمرة على مناطقهم في سنجار وتلعفر وحملات الابادة والمأساة التي نجمت عن عمليات القتل والسبي التي تعرّضت لها قرى ومدن اليزيدين على يد عناصر «داعش» بعد سيطرتهم على القضاء في أغسطس (أب) 2014 وأعطى فكرة حقيقية كشاهد عيان وضحية عن تلك المأساة بالإضافة الى ملاحق وصور تتضمن مجموعة من الوثائق الدامغة للإبادة والمقابر الجماعية للنساء، والأطفال، والشيوخ.

وبين انه بالرغم قيام القوات الحكومية بطرد التنظيم من القضاء في نوفمبر (تشرين الثاني) 2015، فإن أوضاع القضاء ما زالت تفتقر إلى الأمن والاستقرار نتيجة تناحر الجماعات المسلحة هناك، وكل ذلك ينعكس سلباً على طبيعة الخدمات وتعثر حملات الإعمار؛ ما يؤدي إلى عزوف الكثير من المواطنين عن العودة إلى ديارهم.

وذكر أن الحكومة الاتحادية في بغداد غير فعّالة “لقد طلبنا من حكومتنا مراراً وتكراراً دعم الناجين وعوائلهم، وإن العيش في مخيمات النزوح على بعد ساعات من سنجار ليس حلاًّ وأن هذه المخيمات هي عبارة عن إبادة أخرى تمزق نسيج المجتمع بأكمله، كما وأن جيل كامل من اليزيدين بقوا دون الحصول على التعليم المناسب أو فرص عمل أو الحصول على حقوقهم الأساسية مثل الخصوصية وحرية المعتقد وإن هؤلاء في حاجة إلى المساعدات والتعويضات الحكومية”.

هناك حوالي 3000 إيزيدي يتمركزون في ولاية نبراسكا ومجموعة قليلة تسكن في مدينة لآنسنغ في ميشيغان.

وئام نعمو هي المديرة التنفيذية للمركز الثقافي الكلداني، ومؤلفة لـ 16 كتابًا ومخرجة أفلام حائزة على العديد من الجوائز لفيلمين روائيين، أحدهما فيلم وثائقي بعنوان العائلة الأمريكية العظيمة، والثاني فيلم روائي طويل يسمى الرمان، وكذلك حائزة على جائزة إيريك هوفر، وهي أيضًا سفيرة نقابة المؤلفين الأمريكية، التي تُعد أكبر وأقدم منظمة للكتاب في الولايات المتحدة. تم نشر مقالات وأشعار السيدة نعمو في مجلات وطنية ودولية، وكمتحدثة رئيسية ألقت قراءات ومحاضرات وورش عمل في المكتبات، والمدارس، والجامعات، والمنظمات.

استعرضت نعمو في محاضرتها تأريخ وإنجازات وابتكارات مجموعة من نساء بلاد الرافدين ودورهن في مجالات معرفية متعددة كما في الكتابة والفلسفة والأدب والشعر والفنون والعطورات والجعة وغيرها من الإبداعات التي غيرت مجرى الحياة والمجتمع في بلاد الرافدين. وفي الجانب المجتمعي كان الطريق مفتوح أمام النساء السومريات في تعلم العزف على الآلات الموسيقية في المعابد او دخول الأديرة وإيقاف أنفسهن للعبادة فقط وما يليق بها من حيث الأهمية المكانية.

وبما ان المجتمع السومري هو الذي اخترع الكتابة على اللوح الطيني الذي وبأنه طيف الرافدين الخالد فكان العراق بلد أول معلم وأول من اهتم بالنشء الجديد انطلاقاً من مقولة (العلم في الصغر كالنقش في الحجر) وكان تعليم الكتابة في المجتمع السومري يعني التوجه نحو التثقيف والاستفادة من الفرص المتاحة الأمر الذي أكسب المرأة مكانة مرموقة في المجتمع السومري الذي حظي باهتمام الرجل وأدى فيما بعد الى ازدهار الحضارة السومرية من خلال الحفاظ على تقاليد مجتمعية موروثة عززت فيها المرأة مكانتها في المجتمع.

ومن النساء السومريات المتميزات جاءت بذِكر (ننهرساكً) إلهة الخصوبة و(إنهدوانا) الكاهنة العالية وابنة الملك سركًون العظيم التي كانت من أوائل الكتاب في أور والأولى التي وقّعت وثبتت إسمها على الألواح الطينية، والملكة (كوبابا) مسؤولة الحانات والجعة، و(كًولا) الطبيبة الخبيرة وإلهة الكلاب، ومن سيدات القرن الثامن عشر الشاعرة الكلدانية والقصصية الرحالة (ماريا تيريزا أسمر) من قرية تلكيف.

وبينت نعمو بأن ثقافة المجتمع أي مجتمع يتميز بما تقف عليه المرأة من ارض صلبة او رخوة، أي ان للثقافة دورا مباشرا في عملية تثقيف المرأة والمجتمع.

د. صباح يعقوب هو خريج كلية الطب ببغداد وحصل على شهادة الدراسات العليا من المملكة المتحدة وله اهتمامات أدبية وشعرية وشغل العديد من المناصب التحريرية في المجلات الطبية، وقام على مر السنين بتأليف أربع مجموعات شعرية، وكتب مقالات عن مختلف جوانب الحياة وهو مازال مستمراً في الكتابة على مواقع التواصل الاجتماعي أو في الصحف والمجلات الصادرة في أمريكا الشمالية. وهو من بدأ بفكرة تأسيس “المنتدى الثقافي الكلداني” في مدينة وندسور - كندا، عام 2014 ويُشرف على استمرار نشاطه المنتظم حتى اليوم.

تناول د. صباح في محاضرته جوانب من تأريخ الشعر العربي والتطور اللغوي منذ عهد الجاهلية مروراٍ بالعصر الأموي والعباسي والحديث وتطرق الى أنواع القصائد عبر هذه المراحل والتعريف بأنواعه كالعمودي والحديث والحر مع قراءة لنماذج من أبيات عظماء الشعراء كإمرؤ القيس والمتنبي وإيليا ابي ماضي، والسياب، والرصافي والجواهري، ومحمد صالح بحر العلوم ومظفر النواب وغيرهم من الشعراء ومن بين الشعراء المشاهير المسيحيين المعاصرين لويس شيخو اليسوعي.

كما وشارك الدكتور صباح إنتاجاته الشعرية وكتبه المنشورة باللغة العربية والمترجمة للغة الإنكًليزية منها (الرباعيات الشعرية وومضات الأم الحاضر وجدائل مزركشة ومعشر الكلدان متى نصحوا) وقال إن “الشعر هو فكرة وإلهام وإيقاع موسيقي جميل”.

د. عضيد ميري هو كاتب مساهم ومحرر في مجلة أخبار الكلدان التي تصدر عن مؤسسة الجالية الكلدانية في ولاية ميشيغان ويركز في كتاباته على أهمية حفظ التراث والتعليم والثقافة والهوية الكلدانية المهجرية وتاريخ بلاد ما بين النهرين/العراق. الدكتور ميري هو أستاذ جامعي سابق ولد في بغداد، العراق عام 1948، ومنذ وصوله إلى الولايات المتحدة عام 1981، أصبح عضوًا نشطًا في الجالية العراقية الأمريكية وشغل منصب رئيس الجمعية الكلدانية العراقية الأمريكية في ميشيغان (نادي شانندوا) من عام 2003 إلى عام 2005، ويشغل حاليًا منصب مدير المشاريع في مؤسسة الجالية الكلدانية التي هي الذراع غير الربحي لغرفة التجارة الكلدانية الأمريكية في ميشيغان.

تكلم د ميري عن ماضي وحاضر ومستقبل الجالية وأهمية البناء واستمرار النجاحات وتنمية العلامة والهوية المجتمعية في المهجر والتي تأتي بمشاركة الجميع، ودور المؤسسات والجالية العراقية المهجريه في صنع وإعلاء هوية مجتمعنا بواحدة مفيدة وقوية ومبنية على دعائم العلم والمعرفة والركائز الخاصة بثقافتنا وهويتنا التاريخية كما كنا في الوطن الأم. وركز على أن هذه العلامة والهوية المجتمعية الموحدة والمتجذرة في التعليم والباسقة في المجتمع هي ليست مملوكة لاحد ما في الجالية، بل هي أمانة ومسؤولية الجميع، وشرح أهمية أن يكون للجالية إستراتيجية للاستفادة من نقاط القوة في مجتمعنا، ورفع مكانتنا بين المؤثرين، والاستفادة من الداعمين وزيادة الاعتراف المجتمعي المحلي والفدرالي. كما وأكد على ضرورة دعم وتوحيد المجتمع خلف هوية موحدة نستطيع من خلالها بيان إنجازاتنا اللامعة امام أعين المواطنين في مجتمع الولاية والدولة ونعلنها من خلال نشاطات أبناءنا وبناتنا الذين هم سفراء مجتمعنا وجاليتنا وهم الأوصياء الأمناء على هويتنا وعلامتنا المجتمعية المستقبلية.

تمكن الضيوف خلال الندوة من إجراء مقابلات شخصية مع المحاضرين وشراء بعض الكتب والإصدارات، وكذلك طرح الأراء وتقديم الأسئلة واستعراض منتوجاتهم الكتابية من بينهم المحامي مرشد (مارشال) كَرمو –الذي تحدث بشأن كتبه وكتاباته، ونبيل رومايا حول كتابه “مسيرة عراقية في المهجر الأمريكي” والشماس سالم جدو في مداخلاته التوضيحية وحضر المؤتمر مجموعة كبيرة من المهتمين بالمعرفة والثقافة والكُتاب، بينهم السيد نامق ناظم رئيس اتحاد الكتاب والادباء الكلدان والسيدة د. مها الريس وجنان يوسف من قناة القيامة في سان ديكًو.

يسرنا ان نؤشر الشكر الجزيل والتقدير لكافة الحضور الكرام والكتاب المشاركين والمتطوعين من مؤسسة الجالية الكلدانية وسيدات المركز التراثي الكلداني الذين ساهموا في إنجاح هذا المؤتمر الثقافي.


Chaldean News Staff