نظرة على اللوحات الفنية والرسوم في بناية مؤسسة الجالية الكلدانية
بقلم د عضيد ميري
عند زيارة مؤسسة الجالية الكلدانية تتصدر جدران البناية وترحب بكم لوحات فنية ورسوم بابلية وأخرى اكدية وسومرية مثل أسد بابل وشجرة الحياة وبوابة عشتار وأوائل المفكرين والمؤثرين والأقدمين لتُذكر الزوار بجذورنا التأريخية وتعكس مدى وعمق عمرنا الحضاري واعتزازنا بأصولنا التراثية رغم بعدنا الجغرافي عن جذورنا في بلاد الرافدين، ومن ضمن هذه المعالم الفنية يقف شامخاً التنين البابلي سيروش (موسوشو او موشوخوشو) الذي هو بطل مقالتنا هذه لمكانته في اساطير بلاد الرافدين والفولكلور المحلي والكلمات المحكية الخاصة بالعراقيين فقط كمثل (مو، وخوش، وموخوش).
التنين البابلي ألإسطوري مُوشو خُوشو
موشوسو، موشخوشو أو موشوخوشو يُقرأ ويُعرف ايضاً (سيرّوشو أو سيرّوش) وهو مخلوق من أساطير بلاد الرافدين القديمة ويُمثل هجين أسطوري، وتم وصف موشخوشو كوحش له رقبة طويلة ورأس أفعى بقرنين ولِسان حيّة يتدلى إلى الخارج، وجسم مُغطى بحراشف أفعى، وقائمتان أماميتان تبرز منهما مخالب أسد، وقائمتان خلفيتان على شكل مخالب نسر، مع ذيل ينتهي بإبرة عقرب.
وهذا يعني أن هذا الحيوان الأسطوري يعيش في (الماء) وفي (الجو) وفي (البر) كما تعيش الأسماك والنسور والأسود وقد يوحي لنا هذا الحيوان الأسطوري الهجين انه من حيوانات الجو والبر والماء ونتيجة (هندسة وراثية) قام بها علماء بابل والسباقين في هذا العِلم وعلومهِ.
وموشوخوشو - هو التنين الأحمر الناري الغاضب، أو الحية الحمراء السومرية (موش خوش)، وهو من الكائنات المُرعبة التي خلقتها (تيامات أو تعامات) لتحارب بها الآلهة الذكور في أُسطورة قصة الخليقة، لكن الإله البابلي (مردوخ) وبعد انتصاره على تيامات اتخذ من موشوخوشو تابعاً ودابة وشعاراً له.
يعتبر هذا المجسم أقدم تصوير لشكل التنين بالتاريخ وقد تم نحت الشكل على بوابة عشتار، وربما أن الأصل الأسطوري لفكرة التنين كانت بابلية وانتقلت إلى باقي الحضارات مثلما انتقلت الكثير من الأشياء، ومنه تتداول اللهجة العراقية مفردة (موش خوش أو مو خوش) التي تُقال عند سماع امر جلل، او التخوف من حادث قريب الوقوع. واصل الكلمة يأتينا من اللغة الاكدية وتتكون من شطرين (موش = ثعبان و (خوشو= عظيم) وتترجم أحياناً إلى (الثعبان العنيف) الذي كان يعد مقدساً في بلاد الرافدين لارتباطه بالإله مردوخ.
وصور هذا التنين موجودة بوضوح في نحت من الطابوق المُزَجَج على بوابة عشتار وعلى جانِبَي شارع الموكب في مدينة بابل ويعود إلى القرن السادس قبل الميلاد. وعلى الرغم من كونه لا يشبه كائنا حقيقيا، إلاّ إنّ البعض يجادل في كونه كائن حقيقي.
نُحِتَ مُجَسّم هذا التنين الأسطوري على بوابة عشتار ويعتبر أقدم تصوير لشكل التنين بالتاريخ وربما تذكرنا بوابة عشتار بهذا الحيوان الهجين الأسطوري وبأن فكرة التنين كانت بابلية الأصل وانتقلت إلى باقي الحضارات مثلما انتقلت الكثير من الأشياء والرموز المتداولة اليوم وكانت له وظيفة وقائية ضد العفاريت والمخلوقات الغريبة التي تحاول اقتحام المدينة ولذلك يوضع على جدران أبوابها وبالأخَصِّ (باب عشتار)، وهو بوظيفته هذه يُحاكِي عَمَلَ الثورِ المُجَنَّح في حماية بلاد آشُور (شمال العراق).
التنين في أساطير ميزوبوتاميا
تتحدَّث إحدى الأساطير في ميزوبوتاميا عن وحش جبار يُدعى (اللابو)، ويقال ان هذا الوحش خرج من الأعماق المائية إلى ديار الحضارة محاوِلًا تدمير كل ما بناه الإنسان، إلى أن ينجح أحد الآلهة في القضاء عليه.
وينطبق على هذه الأسطورة التفسير العام بأن التنين هنا هو من نتاج القوى البدائية السابقة لتنظيم الكون، دفعَت به المياه التي ترمز في الأسطورة لقوى الأعماق والفوضى إلى الكون المرتب لزعزعة بنيانه وإعادته إلى حالته السابقة. كما ينطبق على النص تفسير للأسطورة باعتبارها مغامرةً للعقل الباحث عن الأسباب والغايات، وذلك في جزئها الخاص بشكل التنين.
فعندما أتى (إنليل) لشرح خطة المعركة للآلهة، قام برسم شكل (اللابو) في السماء، ليوضِّح عظمته وقوته، فكان درب المجرة الذي يقطع السماء المعتمة من أقصاها إلى أقصاها. وقد بقي ذلك الرسم محفورًا في العالي إلى يومنا هذا. ومن ناحية أخرى ينطبق على الأسطورة التفسير الذي يؤكِّد أن التنين ليس إلا قوى اللاشعور المكبوتة؛ ذلك أن (اللابو) قد اندفع من أعماق المياه التي ترمز إلى أغوار اللاشعور في الأسطورة.
وإنليل، عُرف لاحقًا باسم (إليل)، هو إله سومري قديم، ويُعتبر إله الرياح، والهواء، والأرض، والعواصف. اعتُبر في البداية رئيس آلهة البانثيون السومري، وعبده الأكاديون والبابليون والآشوريون والحواريون لاحقًا. كان معبد إكور في مدينة نيبور مركز عبادة الإله الرئيس إنليل، واعتُقد أن إنليل بنى معبده بنفسه واعتُبر (الحبل الرابط) بين الأرض والسماء. يُشار إلى إنليل في بعض النصوص السومرية (بـ نونا منير). وفقًا لإحدى الأناشيد الملحمية السومرية، كان إنليل مقدسًا لدرجة شديدة، حتى أن الآلهة الأخرى لم تستطع النظر إليه.
أصل التسمية
السيروش - أو الموش خوش - أو مردوخ (التنين الخرافي) كما يطلق عليه هو من الرموز البابلية وأصل الكلمة والاسم سيروش مشتق من كلمة سومرية - أكدية قد تترجم إلى الثعبان العظيم أو المهيب. ومعناه (الأفعى الحمراء) يترجم أحياناً إلى (الثعبان العنيف) أو (الثعبان المريع) الذي هو المصطلح السومري لـ (الثعبان). وعلى الرغم من أن ترجمتها إلى موش خوش فإن الباحثين الأوائل اخطأُوا قراءتها بالشكل سيرروشّو، وهذه هي الأكثر شيوعا اليوم، ولكن التسمية وردت بالصيغة السومرية في القواميس المعتمدة (موش خوش) ولا تزال الكلمة تستخدم بين العراقيين عندما يقولون (مو خوش سالفه) التي هي مشتقه من لفظه سومريه الأصل.
والأغلبية يطلقون عليه الاله مردوخ (كبير الإلهة) في بابل
MUŠ = snake HUŠ = terrifying, fierce
حية + مرعبة
مفردات عراقية (مو) و (خوش) و(مو خوش)
يستعمل العراقيون مفردة (مو خوش أو ما خوش) عند الاعتراض على امر ما (مو خوش سالفة) او سماع أمر جلل (مو خوش خبر)، أو التخوف من وقوع حادث حصل او قد يقع (مو خوش مصيبة). أصل الكلمة بابلية وكانت تطلق على مخلوق أسطوري يشبه التنين أو الديناصور المنقرض وكان حيوانًا مرافقًا للإله الأكبر عند البابليين (مردوخ) ويظهر في المنحوتات يعتليه الإله (نابو) ربُّ الكتابة والحكمة ويُعَدُّ رَمزًا له.
مفردة (مو) - في اللهجة العراقية
(مو) – من بقايا التراث اللغوي السومري وهي أداة الجملة الفعلية السومرية التي تبتدئ بها أي جملة، إذ لا يمكن لجملة سومرية فيها فعل أن تتكون إلا باستخدام (مو) في بدايتها. ورغم أن أكثر الكلمات السومرية اختفت، إلا أن (مو) بقيت صامدة، والكلمة قديمة جداً ونجدها مستخدمة ايضاً بالسريانية الفصحى وحسب القاموس السرياني أداة “مو” تعني (ما - ماذا - كم) وتستخدم بمعنى (هل)، ونجدها كذلك موجودة وبنفس المعنى في اللغة التركية واللهجة السورية، ويستخدم العراقيين هذه المفردة كثيراً في لهجتهم الشعبية، ولها عدة معاني واستخدامات فمثلا:
1- مو النافية: بمعنى (انت كسرت الإستكان؟ لا والله مو أني) أو (مو مني كل الصوچ من هلي والله)
2- مو الناهية: بمعنى لا (مو تطلع للشارع وحدك) او (مو تشغّل المبردة بلا مايّ تره أبوك أحركه)
3- مو الاستفهامية: بمعنى أليس كذلك (كًظينه عُمرنه حروب مو بالله؟) أو (عمرنا راح يخلص مولدة لو وطنية...مو بالله؟)
4- مو السببية: بمعنى لأن (الأب: ابني ليش لي هسه ما جايب صمون؟ الابن: يابه مو الفرن معزل اليوم)
5- مو الظرفية: بمعنى عندما (مو حتروح للمحل ... إشتري بيض بدربك)
6- مو التوبيخية: (مو كتلك جم مرة لا تأكل هواية)
7- مو التحذيرية: بمعنى لكن او فقط (مو كتلك نزيزة الكاع وغيوم الصيف جذابة ولا تمطر) او (مو اعرفك تشلع القلب وإلا چان بعتلك سيارتي).
كلمة (خوش) - في اللهجة العراقية
عندما تطلب من محرك كًوكًل ترجمة حرفية لكلمة خوش عن العربية يخبرك بأنه يترجمها عن اللغة الأوردية بكلمة (جيد) ويبدو أنها دخلت الفارسية والكردية وعبرت إلى دول الخليج العربي بمعنى جيد أيضاً.
وفي العراق تطلق خوش بمعنى جيد على البشر، خوش رجال، خوش ولد، خوش مَرّه، وعلى الفاكهة والخضروات؛ خوش تفاح، خوش بصل، خوش ركًية، وعلى الأشياء خوش بيت، خوش أثاث، خوش حديقة وعلى الحيوانات؛ خوش حصان، خوش بقرة، خوش طلي.
وكلمة (خوش) تُنفى عند إضافة (مو) أمامها لتصبح (موخوش) أي غير جيد وبالإمكان إطلاقها على المسميات أعلاه. وبإمكانك أن تجد وتستمتع بسماع جميع هذه الكلمات (مو) و(خوش) و(موخوش) بمعانيها من خلال الأغنية العراقية التراثية لحضيري أبو عزيز (عمّي يا بياع الورد):
عمي يا بياع الورد ... كًلي الورد بيش.. كًلي
بالك تدوس على الورد ... وتساوي خِلّه.. خِلّه
باجر يصير احساب يُبه ... لله شتكًوله.. لله
والمر يا هل المخلوق ترى.. لأجله جرعته.. جرعته
مو كل ورد سموه ورد ... والريحة طيبه.. طيبه
يصير ورد مو خوش ورد ... راسك يشيبه.. يشيبه
وردٍ الزرعته خوش ورد ... بيدي زرعته.. زرعته
من دجله والفرات يبه ... مايّه انا جبته.. انا جبته
يجدر بالذكر أن كلمة “خوش” تعد جزءًا من اللهجة العراقية المحلية وقد لا تكون مألوفة للناطقين باللهجات العربية الأخرى. وهناك من الأشخاص من يختم بها جملته دائماً مثلاً: اليوم لعبن خوش لعب، او بمعنى يعتمد عليه فنقول أحمد خوش زلمة، وبمعنى مؤدب فنقول أحمد خوش ولد، و “خوش” تستخدم للتعبير عن الإعجاب أو الرضا تجاه شيء ما وتعني بشكل عام “جميل” أو “رائع” أو “حلو” في اللهجة العراقية. كما ويمكن استخدامها لوصف الأشياء المختلفة، مثل الطعام اللذيذ، الموقف الممتع، المظهر الجميل، الأشخاص اللطفاء وغيرها. مثال ذلك: هذا خوش اكل، أحب طعمه (يعني: هذا الطبق لذيذ، أحب طعمه)، الحفلة كانت خوش حفلة (يعني: الحفلة كانت رائعة، استمتعت بالموسيقى والأصدقاء)، أو مثلا: خوش إنسان (إنسان جيد)، راح أجيئك العصر.. خوش؟ (سوف آتيك عصراً.. فهل اتفقنا)، أني أعلمك، خوش: وهنا تأتي للوعيد: (الويل لك مني، هل فهمت).
إذن كلمة خوش تأتي بعدة معاني ومعناها جيد أو رائع أو زين، وتستخدم أيضاً للتشجيع على اكمال الحديث أو العمل الذي يقوم به الفرد، ومستخدمة بكثرة في اللهجة العراقية الدارجة، وهي مفردة عاميه بامتياز وعراقية صرفه ويستخدمها احياناً اهل الخليج، اما المصريون فيقولون (كويّيس) والشاميون (منييح)، بمعنى جيد أو تمام.
في العدد القدم من مجلة اخبار الكلدان سنقدم نبذة عن اللوحات الفنية والمعروضات التأريخية التي ستحتويها جدران واروقة بناية مؤسسة الجالية الكلدانية الجديدة في مدينة ويست بلومفيلد.
المصادر: كتاب حضارة بابل وآشور (غوستاف لوبون)، مختصر تاريخ العراق القديم (تاريخ ميزوبوتاميا)، الكاتب والتاريخي أحمد لفتة، هاوي علم الآثار د. فارس الحسيني، كتاب مغامرة العقل الأولي – دراسة في الأسطورة الجزء الثاني، موقع إنقاذ القافة العراقية، ويكيبيديا الموسوعة الحرة.