انبياء‭ ‬اليهود‭ ‬في‭ ‬بلاد‭ ‬الرافدين‭ ‬–‭ ‬مواقع‭ ‬ومراقد‭ ‬وقصص‭ ‬واساطير‭ - ‬الجزء‭ ‬الثاني

Nabbi-Yunus (Jonah) Mosque

بقلم‭ ‬د‭ ‬عضيد‭ ‬ميري

سجلات‭ ‬التاريخ‭ ‬في‭ ‬بلاد‭ ‬ما‭ ‬بين‭ ‬النهرين‭ (‬العراق‭) ‬تبيّن‭ ‬انه‭ ‬بعد‭ ‬2600‭ ‬عام‭ ‬من‭ ‬الاستيطان‭ ‬اليهودي‭ ‬المتواصل‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭ ‬التي‭ ‬وُلد‭ ‬فيها‭ ‬النبي‭ ‬إبراهيم،‭ ‬وسُجل‭ ‬فيها‭ ‬عهد‭ ‬بابل‭ ‬حيث‭ ‬كَتبَ‭ ‬اليهود‭ ‬التلمود‭ ‬البابلي،‭ ‬انتهى‭ ‬وجود‭ ‬المكون‭ ‬اليهودي‭ ‬العراقي‭ ‬في‭ ‬وطن‭ ‬اجدادهم‭ ‬بعد‭ ‬احداث‭ ‬الفرهود‭ ‬واسقاط‭ ‬الجنسية‭ ‬العراقية‭ ‬عن‭ ‬هذا‭ ‬المكّون‭ ‬الأصيل‭ ‬في‭ ‬النصف‭ ‬الثاني‭ ‬من‭ ‬القرن‭ ‬العشرين‭. ‬ورغم‭ ‬ذلك،‭ ‬لا‭ ‬يزال‭ ‬هناك‭ ‬تراث‭ ‬مادي‭ ‬وتاريخي‭ ‬يستحق‭ ‬التذكير‭ ‬به‭ ‬ومواقع‭ ‬دينية‭ ‬وأثرية‭ ‬مقدسة‭ ‬مهملة،‭ ‬ومتروكة‭ ‬لمعول‭ ‬الزمان‭ ‬ومهددة‭ ‬بالانقراض‭ ‬تنتظر‭ ‬الرحمة‭ ‬والعناية‭ ‬والترميم‭. ‬لقد‭ ‬حددت‭ ‬أبحاث‭ ‬أجراها‭ ‬أثريون‭ ‬وأكاديميون‭ ‬27‭ ‬موقعًا‭ ‬في‭ ‬العراق‭ ‬لا‭ ‬تزال‭ ‬قائمة،‭ ‬ولكنها‭ ‬معرضة‭ ‬للخطر‭ ‬والاندثار‭ ‬وهي‭ ‬في‭ ‬حالة‭ ‬بالغة‭ ‬السوء‭.‬

لقد‭ ‬عاش‭ ‬اليهود‭ ‬العراقيون‭ ‬بلاد‭ ‬الرافدين‭ ‬وفي‭ ‬أرضٍ‭ ‬ارتبطت‭ ‬تاريخيا‭ ‬وثقافيًا‭ ‬بالنصوص‭ ‬الدينية‭ ‬المركزية‭ ‬المقدسة‭ ‬لليهودية،‭ ‬وتعتبر‭ ‬بابل‭ ‬في‭ ‬بلاد‭ ‬ما‭ ‬بين‭ ‬النهرين‭ ‬القديمة‭ (‬العراق‭ ‬الحديث‭) ‬جزءٌ‭ ‬لا‭ ‬يتجزأ‭ ‬من‭ ‬التراث‭ ‬التوراتي،‭ ‬فهي‭ ‬وفقًا‭ ‬للتقاليد‭ ‬اليهودية،‭ ‬كانت‭ ‬جنة‭ ‬عدن‭ ‬وتقع‭ ‬بين‭ ‬نهري‭ ‬دجلة‭ ‬والفرات‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬خصبة‭ ‬مليئة‭ ‬بالحياة‭. ‬

وكان‭ ‬ومازال‭ ‬المسلمون‭ ‬واليهود‭ ‬العراقيون‭ ‬يقدسون‭ ‬مواقع‭ ‬القبور‭ ‬المحلية‭ ‬المرتبطة‭ ‬برؤساء‭ ‬وأنبياء‭ ‬الكتاب‭ ‬المقدس‭ ‬مثل‭ (‬دانيال‭ ‬وحزقيال‭ ‬وعزرا‭ ‬ويونس‭ ‬وناحوم‭)‬،‭ ‬وكذلك‭ ‬أضرحة‭ ‬النبي‭ ‬يونس‭ (‬يونان‭) ‬في‭ ‬الموصل‭ ‬وعزرا‭ (‬العزير‭) ‬في‭ ‬العمارة‭ ‬واسحاق‭ ‬الكًعوني‭ ‬في‭ ‬بغداد‭ ‬وغيرهم‭ ‬من‭ ‬الأنبياء‭ ‬التوراتيين‭ ‬الذين‭ ‬كانت‭ ‬اصولهم‭ ‬من‭ ‬بلاد‭ ‬الرافدين‭. ‬

خلال‭ ‬الحكم‭ ‬العثماني،‭ ‬شكل‭ ‬اليهود‭ ‬40٪‭ ‬من‭ ‬سكان‭ ‬بغداد،‭ ‬إذ‭ ‬بلغ‭ ‬عددهم‭ ‬150‭,‬000‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬1948‭ ‬عند‭ ‬تأسيس‭ ‬الدولة‭ ‬العبرية‭ ‬وخلال‭ ‬السنوات‭ ‬الثلاث‭ ‬التالية،‭ ‬وكنتيجة‭ ‬للهجرة‭ ‬غادر‭ ‬96٪‭ ‬منهم‭ ‬العراق‭ ‬بسبب‭ ‬الضغوط‭ ‬والتقلبات‭ ‬السياسية‭ ‬وحملة‭ ‬تسقيط‭ ‬الجنسية،‭ ‬وتوجه‭ ‬معظم‭ ‬اليهود‭ ‬العراقيين‭ ‬إلى‭ ‬الدولة‭ ‬العبرية،‭ ‬التي‭ ‬تضم‭ ‬حاليًا‭ ‬220‭,‬000‭ ‬يهودي‭ ‬من‭ ‬أصل‭ ‬بابلي‭ ‬عراقي‭.‬

وفي‭ ‬وقت‭ ‬من‭ ‬الأوقات،‭ ‬كان‭ ‬في‭ ‬العراق‭ ‬118‭ ‬معبدًا‭ ‬يهوديًا،‭ ‬و48‭ ‬مدرسة‭ ‬تلموديه،‭ ‬وتسعة‭ ‬أضرحة‭ ‬للأنبياء‭ ‬ورجال‭ ‬الدين،‭ ‬وثلاثة‭ ‬مقابر‭ ‬يهودية‭ ‬ولليهود‭ ‬في‭ ‬العراق‭ ‬مقاماتٌ‭ ‬وأضرحةٌ‭ ‬عريقةٌ‭ ‬يزورها‭ ‬اليهودُ‭ ‬في‭ ‬الأعياد‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬المناسبات‭. ‬وباعتبار‭ ‬اليهودية‭ ‬ديانة‭ ‬توحيدية،‭ ‬يؤمن‭ ‬أتباع‭ ‬اليهودية‭ ‬بإله‭ ‬واحد‭ ‬أعلن‭ ‬نفسه‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬الأنبياء‭ ‬القدماء،‭ ‬بمن‭ ‬فيهم‭ ‬إبراهيم‭ ‬وإسحاق‭ ‬ويعقوب،‭ ‬وموسى،‭ ‬وسليمان،‭ ‬وغيرهم‭. ‬وبعضُ‭ ‬هذه‭ ‬المقامات‭ ‬مقدسٌ‭ ‬لدى‭ ‬المسلمين‭ ‬أيضًا‭ ‬إذ‭ ‬يتوافد‭ ‬مئات‭ ‬الحجاج‭ ‬المسلمين‭ ‬إلى‭ ‬الأماكن‭ ‬والمراقد‭ ‬المقدسة‭ ‬كل‭ ‬عام‭ ‬لتكريم‭ ‬هؤلاء‭ ‬الأنبياء‭ ‬مثل‭ ‬عزرا‭ ‬‭(‬العزير‭) ‬قرب‭ ‬العمارة‭ ‬وحزقيال‭ (‬ذا‭ ‬الكفل‭) ‬قرب‭ ‬الحلة‭ ‬الذي‭ ‬تحمل‭ ‬البلاطات‭ ‬فوق‭ ‬مدخل‭ ‬قبره،‭ ‬نقشًا‭ ‬عبريًا‭ ‬يقول‭: ‬‮«‬هنا‭ ‬قبر‭ ‬سيدنا‭ ‬حزقيال‮»‬‭. ‬

كان‭ ‬النبي‭ ‬حزقيال‭ (‬ذو‭ ‬الكفل‭) ‬ينحدر‭ ‬من‭ ‬الحلة‭ ‬في‭ ‬وسط‭ - ‬جنوب‭ ‬العراق،‭ ‬ويقع‭ ‬مزاره‭ ‬في‮ ‬ناحية‭ ‬الكفل‭ ‬في‭ ‬محافظة‭ ‬بابل،‭ ‬وسميت‭ ‬الناحية‭ ‬نسبة‭ ‬إلى‭ ‬هذا‭ ‬المزار‭.‬‮ ‬والمنطقة‭ ‬التي‭ ‬يقع‭ ‬فيها‭ ‬المزار‭ ‬كانت‭ ‬معروفة‭ ‬بتواجد‭ ‬كثيف‭ ‬لليهود‭ ‬حتى‭ ‬نهاية‭ ‬الأربعينيات‭ ‬من‭ ‬القرن‭ ‬العشرين،‭ ‬قبل‭ ‬هجرتهم‭ ‬من‭ ‬العراق،‭ ‬ويُعتقد‭ ‬أن‭ ‬النبي‭ ‬حزقيال‭ ‬هو‭ ‬نفسه‭ ‬المذكور‭ ‬في‭ ‬التوراة‭ ‬والقرآن،‭ ‬ويوجد‭ ‬في‭ ‬مدينة‭ ‬الكفل‭ ‬خانات‭ ‬يهودية‭ ‬ومنازل‭ ‬وسوق‭ ‬يعود‭ ‬تاريخها‭ ‬إلى‭ ‬فترة‭ ‬تواجد‭ ‬اليهود‭ ‬في‭ ‬المنطقة،‭ ‬وتعتبر‭ ‬المنطقة‭ ‬من‭ ‬الأماكن‭ ‬المقدسة‭ ‬لدى‭ ‬اليهود‭.‬‮ ‬كما‭ ‬تضم‭ ‬مناطق‭ ‬العراق‭ ‬الأخرى‭ ‬مقامات‭ ‬النبي‭ ‬يونان‭ ‬في‭ ‬نينوى‭ ‬ودانيال‭ ‬في‭ ‬كركوك،‭ ‬وناحوم‭ ‬في‭ ‬القوش‭.‬

في‭ ‬أعقاب‭ ‬عمليات‭ ‬التهجير‭ ‬اليهودية‭ ‬في‭ ‬خمسينيات‭ ‬القرن‭ ‬الماضي،‭ ‬حُوّلت‭ ‬أضرحة‭ ‬أنبياء‭ ‬الكتاب‭ ‬المقدس‭ ‬عزرا‭ ‬وحزقيال‭ ‬ويونس‭ ‬إلى‭ ‬مساجد،‭ ‬واختفت‭ ‬مئات‭ ‬المعابد‭ ‬اليهودية،‭ ‬باستثناء‭ ‬كنيس‭ ‬مائير‭ ‬طويق‭ ‬في‭ ‬بغداد‭. ‬وبمعجزة،‭ ‬نجا‭ ‬كنيس‭ ‬ساسون‭ ‬في‭ ‬الموصل،‭ ‬ولكنه‭ ‬تضرر‭ ‬بشدة‭.‬

وبالرغم‭ ‬من‭ ‬تعرّض‭ ‬الجالية‭ ‬اليهودية‭ ‬للاضطهاد‭ ‬جراء‭ ‬القمع‭ ‬الشديد‭ ‬لليهود‭ ‬الذين‭ ‬بقوا‭ ‬في‭ ‬العراق،‭ ‬فإن‭ ‬مستوى‭ ‬القمع‭ ‬تذبذب‭ ‬مع‭ ‬مرور‭ ‬الوقت،‭ ‬وبحلول‭ ‬منتصف‭ ‬سبعينيات‭ ‬القرن‭ ‬الماضي،‭ ‬تُركوا‭ ‬إلى‭ ‬حد‭ ‬كبير‭ ‬لإدارة‭ ‬شؤونهم‭ ‬الدينية‭ ‬والاجتماعية‭ ‬والاقتصادية‭ ‬بأنفسهم‭. ‬ولكن‭ ‬بعدما‭ ‬غادر‭ ‬جميع‭ ‬يهود‭ ‬العراق‭ ‬تقريبًا،‭ ‬انتقل‭ ‬معظم‭ ‬التراث‭ ‬المعماري‭ ‬اليهودي‭ ‬العراقي‭ ‬الجماعي‭ ‬إلى‭ ‬سيطرة‭ ‬الدولة‭ ‬العراقية،‭ ‬التي‭ ‬أهملته،‭ ‬أو‭ ‬أعادت‭ ‬توظيفه،‭ ‬أو‭ ‬سلمته‭ ‬إلى‭ ‬أفراد‭ ‬لاستخدامهم‭ ‬الخاص‭ ‬أو‭ ‬لإعادة‭ ‬تطويره‭. ‬ونتيجة‭ ‬لذلك،‭ ‬تدهور‭ ‬معظم‭ ‬التراث‭ ‬اليهودي‭ ‬العراقي‭ ‬بشكل‭ ‬كبير،‭ ‬أو‭ ‬خضع‭ ‬لتعديلات‭ ‬جوهرية،‭ ‬أو‭ ‬هُدّم‭ ‬بالكامل‭. ‬ولكن‭ ‬مع‭ ‬ذلك،‭ ‬تبقى‭ ‬ذكريات‭ ‬يهود‭ ‬العراق،‭ ‬تذكير‭ ‬مهم‭ ‬لفهم‭ ‬التعددية‭ ‬الدينية‭ ‬وأهمية‭ ‬السلام‭ ‬في‭ ‬ظلّ‭ ‬التنوع‭ ‬المجتمعي‭ ‬والديني‭ ‬في‭ ‬الوطن‭ ‬الواحد‭. ‬

في‭ ‬الجزء‭ ‬الأول‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬السلسة‭ ‬الذي‭ ‬نشر‭ ‬في‭ ‬عدد‭ ‬شهر‭ ‬حزيران‭ ‬2025،‭ ‬تناولنا‭ ‬ثلاثة‭ ‬أضرحة‭ ‬يهودية‭ ‬بارزة‭ ‬في‭ ‬العمارة‭ ‬والحلة‭ ‬وبغداد‭ (‬عزرا،‭ ‬حسقيال،‭ ‬كًاعون‭). ‬وفي‭ ‬هذا‭ ‬الجزء‭ ‬الثاني‭ ‬سنتناول‭ ‬خمسة‭ ‬مواقع‭ ‬إضافية‭ ‬في‭ ‬محافظة‭ ‬نينوى

‭ :‬

‭ ‬4-‭ ‬ضريح‭ ‬الكاهن‭ ‬الأعظم‭ ‬يوشع‭ ‬كوهين‭ ‬جادول‭ ‬

في‭ ‬العبرية‭ ‬‮«‬رئيس‭ ‬كهنة‭ ‬إسرائيل‭ ‬כֹּהֵן‭ ‬גָּדוֹל‮»‬‎باللغة‭ ‬الرومانية‭: ‬كوهين‭ ‬جادول،‭ ‬تعني‭ ‬حرفيًا‭ ‬‮«‬الكاهن‭ ‬الأعظم‮»‬‭ ‬وبالآرامية‭ ‬‮«‬كاهنا‭ ‬رابا‮»‬‭ ‬هو‭ ‬الكاهن‭ ‬الكبير‭ ‬و

شغل‭ ‬كوهين‭ ‬جادول،‭ ‬أقدس‭ ‬منصب‭ ‬في‭ ‬اليهودية،‭ ‬وامتد‭ ‬دوره‭ ‬عبر‭ ‬التاريخ‭ ‬من‭ ‬عهد‭ ‬هارون‭ ‬في‭ ‬العصور‭ ‬القديمة‭ ‬حتى‭ ‬دمار‭ ‬الهيكل‭ ‬الثاني‭. ‬وكانت‭ ‬مهمة‭ ‬كوهين‭ ‬جادول‭ ‬الإشراف‭ ‬على‭ ‬خدمة‭ ‬الهيكل‭ ‬والعمل‭ ‬كقائد‭ ‬روحي‭ ‬للشعب‭ ‬اليهودي‭ ‬ومسؤوليته‭ ‬الأبرز‭ ‬دخول‭ ‬قدس‭ ‬الأقداس‭ ‬في‭ ‬يوم‭ ‬كيبور،‭ ‬عندما‭ ‬يلتقي‭ ‬أقدس‭ ‬الأوقات‭ ‬والأشخاص‭ ‬والأماكن‭.‬

‭ ‬بالنسبة‭ ‬لليهود‭ ‬العراقيين‭ (‬يهود‭ ‬بابل‭) ‬יהדות‭ ‬בבל،‭ ‬يقع‭ ‬ضريح‭ ‬رئيس‭ ‬الكهنة‭ (‬יהושע‭ ‬בן‭ ‬יהוצדק‭)‬‭ ‬في‭ ‬مقبرة‭ ‬جنيد‭ ‬البغدادي،‭ ‬وبُني‭ ‬الضريح‭ ‬على‭ ‬يد‭ ‬اليهود‭ ‬في‭ ‬القرن‭ ‬السادس‭ ‬قبل‭ ‬الميلاد‭ ‬ويقع‭ ‬بالقرب‭ ‬من‭ ‬ضريح‭ ‬الشيخ‭ ‬معروف‭ ‬الكرخي‭ ‬في‭ ‬الجانب‭ ‬الغربي‭ ‬من‭ ‬بغداد،‭ ‬واعتاد‭ ‬يهود‭ ‬العراق‭ ‬زيارته‭ ‬كمكان‭ ‬للصلاة‭ ‬والتبرك‭. ‬

ويحظى‭ ‬القبر‭ ‬باحترام‭ ‬وتبجيل‭ ‬العرب‭ ‬واليهود‭ ‬ويُقال‭ ‬إن‭ ‬جثمان‭ ‬رئيس‭ ‬الكهنة‭ ‬موجود‭ ‬في‭ ‬صندوق‭ ‬كبير،‭ ‬وفوقه‭ ‬وضعت‭ ‬لوحة‭ ‬مصنوعة‭ ‬من‭ ‬النحاس‭ ‬مكتوب‭ ‬عليها‭ ‬بالأحرف‭ ‬العبرية‭ ‬‮«‬يوشع‭ ‬كوهين‭ ‬جادول‮»‬‭. ‬ويشبه‭ ‬القبر‭ ‬صندوقًا‭ ‬حجريًا‭ ‬ضخمًا،‭ ‬في‭ ‬رأسه‭ ‬صفيحة‭ ‬نحاسية،‭ ‬عليها‭ ‬نقوش‭ ‬عبرية‭ ‬بارزة،‭ ‬كالتالي‭: ‬‮«‬يهسوده‭ ‬كوينجادش‮»‬،‭ ‬أي‭ ‬‮«‬لوسواه‭ ‬الكاهن‭ ‬الأكبر‮»‬‭. ‬ويقولون‭ ‬إنه‭ ‬كان‭ ‬قديسًا‭ ‬يُجله‭ ‬الجميع‭ ‬بسبب‭ ‬المعجزات‭ ‬التي‭ ‬أجراها‭ ‬الله‭ ‬بواسطته،‭ ‬إذ‭ ‬يذهب‭ ‬اليهود‭ ‬إلى‭ ‬الضريح‭ ‬شهريًا‭ ‬لسماع‭ ‬نصوص‭ ‬وكتابات‭ ‬الكاهن‭ ‬الأكبر‭ ‬وبعد‭ ‬الانتهاء‭ ‬من‭ ‬القراءة،‭ ‬يُنشدون‭ ‬الترانيم،‭ ‬ثم‭ ‬يجتمعون‭ ‬في‭ ‬مكان‭ ‬غير‭ ‬بعيد‭ ‬عن‭ ‬القبر،‭ ‬ويقيمون‭ ‬نزهة‭ ‬عائلية‭.‬

وهناك‭ ‬شهادات‭ ‬لأشخاص‭ ‬في‭ ‬عصور‭ ‬مختلفة‭ ‬عن‭ ‬الأنشطة‭ ‬اليهودية‭ ‬في‭ ‬الحرم‭ ‬وعن‭ ‬الكلمات‭ ‬العبرية‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬جزءًا‭ ‬من‭ ‬زخارف‭ ‬القبر‭ ‬والجدار‭. ‬ووفقًا‭ ‬للمؤرخ‭ ‬الزائر‭ ‬بنيامين‭ ‬الثاني،‭ ‬فإن‭ ‬الضريح‭ ‬المذكور‭ ‬عام‭ ‬1847‭ ‬يقع‭ ‬على‭ ‬بُعد‭ ‬ساعة‭ ‬من‭ ‬بغداد،‭ ‬في‭ ‬مبنى‭ ‬صغير‭ ‬تُظلله‭ ‬ثماني‭ ‬نخلات‭ ‬كبيرة،‭ ‬ومقسّم‭ ‬إلى‭ ‬قسمين،‭ ‬أحدهما‭ ‬قبر‭ ‬الكاهن‭ ‬العظيم‭ ‬يوشع،‭ ‬المُزخرف‭ ‬بشكل‭ ‬جميل،‭ ‬والمذكور‭ ‬في‭ ‬سفر‭ ‬زكريا‭ (‬‮٣‬‭:‬‮١‬‭). ‬ومن‭ ‬بين‭ ‬مشاهير‭ ‬اليهود‭ ‬الآخرين‭ ‬المدفونين‭ ‬في‭ ‬فناء‭ ‬ضريح‭ ‬يوشع،‭ ‬الحاخام‭ ‬يعقوب‭ ‬بار‭ ‬يوسف،‭ ‬الطبيب‭ (‬הרב‭ ‬יעקב‭ ‬בן‭ ‬רבי‭ ‬יוסף‭ ‬הרופא‭)‬،‭ ‬المدفون‭ ‬عام‭ ‬1805،‭ ‬وعبد‭ ‬الله‭ ‬سوميخ‭ (‬עבדאללה‭ ‬סומך‭)‬،‭ ‬المدفون‭ ‬عام‭ ‬1889

ومع‭ ‬أن‭ ‬اسم‭ ‬كوهين‭ ‬جدول‭ ‬هو‭ (‬يوشع‭)‬،‭ ‬فيجب‭ ‬عدم‭ ‬الخلط‭ ‬بينه‭ ‬وبين‭ (‬هوشع‭ ‬ابن‭ ‬نون‭) ‬من‭ ‬سبط‭ ‬افرايم‭ ‬ووفقًا‭ ‬للكتاب‭ ‬المقدس،‭ ‬وهوشع،‭ ‬حرفيًا‭ ‬يعني‭ ‬‮«‬خلّص‮»‬‭ ‬لكن‭ ‬موسى‭ ‬سمّاه‭ ‬‮«‬يوشع‮»‬‭ ‬عندما‭ ‬وُلد‭ ‬في‭ ‬مصر‭ ‬قبل‭ ‬الخروج،‭ ‬ويُعرف‭ ‬باسم‭ (‬يشوع‭ ‬ابن‭ ‬نون‭) ‬وبقيادته‭ ‬بني‭ ‬إسرائيل‭ ‬إلى‭ ‬أرض‭ ‬الميعاد‭ ‬بعد‭ ‬وفاة‭ ‬موسى‭. ‬ولكيلا‭ ‬نخلط‭ ‬بين‭ ‬الأسماء‭ ‬والمواقع،‭ ‬فهناك‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬التقاليد‭ ‬الإسلامية‭ ‬التي‭ ‬تُحدد‭ ‬مواقع‭ ‬أخرى‭ ‬لقبر‭ ‬النبي‭ ‬يوشع‭ ‬في‭ ‬دول‭ ‬شرق‭ ‬أوسطية‭ ‬تشمل‭ (‬تل‭ ‬يوشع‭) ‬في‭ ‬إسطنبول،‭ ‬تركيا،‭ ‬ومقام‭ ‬النبي‭ ‬يوشع‭ ‬في‭ ‬الأردن،‭ ‬وقرية‭ (‬النبي‭ ‬يوشع‭) ‬في‭ ‬صفد‭ ‬التي‭ ‬هي‭ ‬أعلى‭ ‬مدينة‭ ‬في‭ ‬الجليل‭ ‬والأراضي‭ ‬المقدسة،‭ ‬وفي‭ ‬كفل‭ ‬حارس‭ ‬بالضفة‭ ‬الغربية،‭ ‬وفقًا‭ ‬لتقليد‭ ‬سامري‭ ‬سُجّل‭ ‬عام‭ ‬1877‭ ‬يُعرف‭ ‬ضريح‭ ‬كفل‭ ‬حارس،‭ ‬الذي‭ ‬يعتبره‭ ‬اليهود‭ ‬قبر‭ ‬يوشع،‭ ‬ويسميه‭ ‬المسلمين‭ ‬باسم‭ (‬مقام‭ ‬يوشع‭ ‬بن‭ ‬نون‭) ‬ومقام‭ ‬خادم‭ ‬صلاح‭ ‬الدين‭ ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬مواقع‭ ‬أخرى‭ ‬في‭ ‬إيران‭ ‬ولبنان

‭.‬

‭ ‬5-‭ ‬مقام‭ ‬النبي‭ ‬ناحوم‭ ‬الألقوشي

على‭ ‬بُعد‭ ‬خمسة‭ ‬وأربعين‭ ‬كيلومترًا‭ (‬28‭ ‬ميلًا‭) ‬شمال‭ ‬الموصل،‭ ‬يقع‭ ‬مقام‭ ‬النبي‭ ‬ناحوم‭ ‬في‭ ‬بلدة‭ ‬القوش‭ ‬شمال‭ ‬العراق،‭ ‬ويعود‭ ‬تاريخه‭ ‬إلى‭ ‬القرن‭ ‬الثاني‭ ‬عشر‭ ‬الميلادي،‭ ‬وكان‭ ‬موقع‭ ‬حج‭ ‬مهم‭ ‬للمجتمع‭ ‬اليهودي‭ ‬في‭ ‬الموصل‭ ‬والعراق‭ ‬خاصة‭ ‬خلال‭ ‬عيد‭ ‬الأسابيع‭.‬

كان‭ ‬ناحوم‭ ‬نبيًا‭ ‬يهوديًا،‭ ‬سُجِّلت‭ ‬نبوءته‭ ‬في‭ ‬سفر‭ ‬ناحوم،‭ ‬وهو‭ ‬السفر‭ ‬السابع‭ ‬من‭ ‬سلسلة‭ ‬الأنبياء‭ ‬الصغار‭ ‬في‭ ‬الكتاب‭ ‬العبري‭ ‬المقدس‭ (‬المعروف‭ ‬أيضًا‭ ‬باسم‭ ‬العهد‭ ‬القديم‭)‬،‭ ‬واشتهر‭ ‬بنبوءته‭ ‬المتعلقة‭ ‬بسقوط‭ ‬الإمبراطورية‭ ‬الآشورية‭ ‬وعاصمتها‭ ‬نينوى‭. ‬ويُعتقد‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬السفر‭ ‬كُتب‭ ‬بعد‭ ‬الهجوم‭ ‬الآشوري‭ ‬على‭ (‬طيبة‭) ‬وقبل‭ ‬سقوط‭ ‬نينوى‭ ‬عام‭ ‬612‭ ‬قبل‭ ‬الميلاد‭. ‬وكتب‭ ‬ناحوم‭ ‬في‭ ‬الكتاب‭ ‬المقدس‭ ‬عن‭ ‬نينوى‭: ‬‮«‬كل‭ ‬من‭ ‬يراك‭ ‬يهرب‭ ‬منك‭ ‬ويقول‭ ‬خربت‭ ‬نينوى‭ ‬فمن‭ ‬سيندبها؟‭ ‬وأين‭ ‬أطلب‭ ‬لك‭ ‬معزين؟‮»‬

لا‭ ‬يُعرف‭ ‬الكثير‭ ‬عن‭ ‬ناحوم،‭ ‬الذي‭ ‬تنبأ‭ ‬بسقوط‭ ‬نينوى‭ ‬في‭ ‬العهد‭ ‬القديم،‭ ‬ووفقًا‭ ‬للكتاب‭ ‬المقدس،‭ ‬يُعتبر‭ ‬ناحوم‭ ‬أحد‭ ‬الأنبياء‭ ‬الصغار‭ ‬الاثني‭ ‬عشر‭ ‬الذين‭ ‬يُعتقد‭ ‬أنهم‭ ‬ولدوا‭ ‬وماتوا‭ ‬في‭ ‬مدينة‭ ‬القوش‭ ‬لكن‭ ‬قبره‭ ‬كان‭ ‬جزءًا‭ ‬أساسيًا‭ ‬من‭ ‬الحياة‭ ‬اليهودية‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭ ‬وكان‭ ‬اليهود‭ ‬العراقيون‭ ‬يزورون‭ ‬القبر‭ ‬بالآلاف‭ ‬خلال‭ ‬عيد‭ ‬الأسابيع‭ (‬وهو‭ ‬عيد‭ ‬يحتفل‭ ‬بنزول‭ ‬التوراة‭ ‬على‭ ‬اليهود‭ ‬بعد‭ ‬سبعة‭ ‬أسابيع‭ ‬من‭ ‬نفيهم‭ ‬من‭ ‬مصر‭)‬،‭ ‬ويعيدون‭ ‬تمثيل‭ ‬مشاهد‭ ‬جبل‭ ‬سيناء‭ ‬على‭ ‬القمم‭ ‬الشامخة‭ ‬فوق‭ ‬المدينة‭.‬

يقع‭ ‬هذا‭ ‬الموقع‭ ‬أسفل‭ ‬طريق‭ ‬متعرج‭ ‬يمر‭ ‬عبر‭ ‬القوش،‭ ‬بين‭ ‬صفوف‭ ‬المنازل‭ ‬الحجرية‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬البلدة‭ ‬الكلدانية‭ ‬وكان‭ ‬المجمع‭ ‬يضم‭ ‬في‭ ‬السابق‭ ‬مدرسة‭ ‬يهودية‭ ‬وكنيسً‭ ‬مركزي‭ ‬مع‭ ‬قبر‭ ‬النبي‭ ‬ناحوم‭ ‬وسلسلة‭ ‬من‭ ‬المباني‭ ‬الفرعية‭ ‬المرتبة‭ ‬حول‭ ‬ساحة‭ ‬الفناء‭ ‬الوسطية‭. ‬وعلى‭ ‬قبر‭ ‬النبي‭ ‬ناحوم‭ ‬وقبره‭ ‬نقشٌ‭ ‬بالعبرية‭ ‬يشير‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬المبنى‭ ‬الحالي‭ ‬قد‭ ‬جُدد‭ ‬عام‭ ‬1796‭ ‬ميلاديًا‭ ‬على‭ ‬يد‭ ‬عبد‭ ‬الله‭ ‬يوسف‭ ‬وساسون‭ ‬صالح‭ ‬داود‭ (‬الجد‭ ‬الأكبر‭ ‬لعائلة‭ ‬ساسون‭ ‬اليهودية‭ ‬الشهيرة‭ ‬في‭ ‬العراق‭) ‬وبالقرب‭ ‬منه،‭ ‬تقع‭ ‬مغارة‭ ‬السيدة‭ ‬سارة،‭ ‬شقيقة‭ ‬النبي‭. ‬ولا‭ ‬تقتصر‭ ‬قدسية‭ ‬هذا‭ ‬المقام‭ ‬على‭ ‬اليهود‭ ‬فحسب،‭ ‬بل‭ ‬تمتد‭ ‬إلى‭ ‬المسيحيين‭ ‬والمسلمين‭.‬

وبينما‭ ‬عاش‭ ‬اغلب‭ ‬اليهود‭ ‬في‭ ‬مدن‭ ‬العراق‭ ‬الجنوبية‭ ‬مثل‭ ‬بغداد‭ ‬والحلة‭ ‬والبصرة،‭ ‬كانت‭ ‬المناطق‭ ‬في‭ ‬الشمال‭ ‬مثل‭ ‬الموصل‭ ‬ودهوك‭ ‬موطنًا‭ ‬لليهود‭ ‬الناطقين‭ ‬بالآرامية،‭ ‬ويُقال‭ ‬عنهم‭ ‬غالبًا‭ ‬إنهم‭ ‬ينحدرون‭ ‬مباشرة‭ ‬من‭ ‬قبائل‭ ‬إسرائيل‭ ‬المفقودة‭. ‬ومع‭ ‬أن‭ ‬المسلمين‭ ‬واليهود‭ ‬والمسيحيين‭ ‬يُجلّون‭ ‬النبي‭ ‬ناحوم،‭ ‬إلا‭ ‬أنه‭ ‬لو‭ ‬حصل‭ ‬ودخل‭ ‬داعش‭ ‬القوش،‭ ‬لدمّروا‭ ‬قبره‭ ‬كما‭ ‬دمّروا‭ ‬قبر‭ ‬النبي‭ ‬يونان‭ ‬في‭ ‬الموصل‭ (‬نينوى‭ ‬القديمة‭) ‬في‭ ‬24‭ ‬يوليو‭/‬تموز‭ ‬2014‭. ‬إذ‭ ‬كان‭ ‬داعش‭ ‬مُصمّمًا‭ ‬على‭ ‬محو‭ ‬التاريخ‭ ‬المشترك‭ ‬للطوائف‭ ‬الدينية‭ ‬المتنوعة‭ ‬التي‭ ‬عاشت‭ ‬في‭ ‬الموصل،‭ ‬واستبدال‭ ‬مفهوم‭ ‬الطوائف‭ ‬المختلفة‭ ‬بأيديولوجية‭ ‬ضيقة،‭ ‬إجرامية‭ ‬قسرية‭ ‬قاسية‭ ‬لا‭ ‬ترحم،‭ ‬ولا‭ ‬قيمة‭ ‬عندهم‭ ‬لأي‭ ‬شيء‭ ‬سبق‭ ‬الإسلام‭. ‬

وفي‭ ‬مدينة‭ ‬الموصل‭ ‬التي‭ ‬تقع‭ ‬على‭ ‬بُعد‭ ‬أقل‭ ‬من‭ ‬50‭ ‬كيلومترًا‭ ‬من‭ ‬القوش،‭ ‬كاد‭ ‬التراث‭ ‬اليهودي‭ ‬في‭ ‬الموصل‭ ‬يُمحى‭ ‬من‭ ‬على‭ ‬الخريطة،‭ ‬إذ‭ ‬دمّرت‭ ‬جماعة‭ ‬داعش‭ ‬الإرهابية‭ ‬قبري‭ ‬النبيين‭ ‬يونان‭ ‬ودانيال،‭ ‬وكان‭ ‬ناحوم‭ ‬النبي‭ ‬الوحيد‭ ‬الذي‭ ‬نجا‭ ‬من‭ ‬همج‭ ‬داعش،‭ ‬لكن‭ ‬ضريحه‭ ‬كان‭ ‬في‭ ‬حالة‭ ‬سيئة‭ ‬للغاية،‭ ‬بعد‭ ‬ان‭ ‬تُرك‭ ‬الموقع‭ ‬خاليًا‭ ‬لعقود‭ ‬منذ‭ ‬رحيل‭ ‬يهود‭ ‬العراق‭ ‬في‭ ‬خمسينيات‭ ‬القرن‭ ‬الماضي‭. ‬

حاول‭ ‬المسيحيون‭ ‬المحليون‭ ‬الحفاظ‭ ‬على‭ ‬الضريح‭ ‬بعد‭ ‬رحيل‭ ‬الجالية‭ ‬اليهودية،‭ ‬وكان‭ ‬الموقع‭ ‬محور‭ ‬جهود‭ ‬الحفظ‭ ‬الدولية‭ ‬على‭ ‬مدار‭ ‬العقد‭ ‬الماضي،‭ ‬وتم‭ ‬إجراء‭ ‬بعض‭ ‬أعمال‭ ‬التثبيت‭ ‬في‭ ‬أواخر‭ ‬عام‭ ‬2017،‭ ‬بواسطة‭ ‬الوكالة‭ ‬الأمريكية‭ ‬للتنمية‭ ‬الدولية‭ ‬والتبرعات‭ ‬الأمريكية‭ ‬الخاصة‭ ‬لترميم‭ ‬قبر‭ ‬النبي‭ ‬ناحوم‭ ‬بمقدار‭ ‬500‭ ‬الف‭ ‬دولار‭ ‬،‭ ‬وبدأ‭ ‬مشروع‭ ‬الترميم‭ ‬لحفظ‭ ‬التراث‭ ‬الثقافي‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬حكومة‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬وحكومة‭ ‬إقليم‭ ‬كردستان‭ ‬والمانحين‭ ‬من‭ ‬القطاع‭ ‬الخاص‭ ‬وأعادت‭ ‬مبادرة‭ ‬أعمال‭ ‬الترميم‭ ‬القبر‭ ‬إلى‭ ‬مجده‭ ‬المتواضع‭ ‬السابق‭ ‬باستخدام‭ ‬نفس‭ ‬الأحجار‭ ‬التقليدية‭ ‬المبعثرة‭ ‬حول‭ ‬الموقع‭. ‬

تفتح‭ ‬الأبواب‭ ‬الخشبية‭ ‬على‭ ‬مرقد‭ ‬القبر،‭ ‬بينما‭ ‬يطفو‭ ‬ضوء‭ ‬ذهبي‭ ‬دافئ‭ ‬عبر‭ ‬النوافذ‭ ‬الشبكية‭. ‬وتصطف‭ ‬النقوش‭ ‬العبرية،‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬مخفية‭ ‬سابقًا‭ ‬تحت‭ ‬قرون‭ ‬من‭ ‬تراكم‭ ‬التربة‭ ‬والمعادن‭ ‬والصدأ‭ ‬على‭ ‬الجدران‭. ‬ويوجد‭ ‬كتاب‭ ‬صلاة،‭ ‬باللغتين‭ ‬الإنجليزية‭ ‬والعبرية،‭ ‬على‭ ‬القبر،‭ ‬محاطًا‭ ‬ببوابات‭ ‬حديدية‭ ‬خضراء،‭ ‬ملفوفة‭ ‬بحرير‭ ‬أخضر،‭ ‬وعادة‭ ‬يُقرع‭ ‬جرس‭ ‬الكنيس‭ ‬بهدوء‭ ‬بعد‭ ‬الظهر‭.‬

وفي‭ ‬السنوات‭ ‬القليلة‭ ‬الماضية،‭ ‬أصبح‭ ‬ضريح‭ ‬النبي‭ ‬ناحوم،‭ ‬بعد‭ ‬ترميمه،‭ ‬ملتقىً‭ ‬للسكان‭ ‬المحليين‭ ‬من‭ ‬جميع‭ ‬الأديان،‭ ‬ومزارا‭ ‬للحجاج‭ ‬والزوار‭ ‬والضيوف‭ ‬الأجانب،‭ ‬إذ‭ ‬انه‭ ‬موقع‭ ‬تاريخي‭ ‬وديني‭ ‬مفتوح‭ ‬للزوار،‭ ‬مع‭ ‬حمايته‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬نفسه،‭ ‬لقد‭ ‬رُمم‭ ‬ضريح‭ ‬النبي‭ ‬ناحوم‭ ‬ليعود‭ ‬إلى‭ ‬مجده‭ ‬السابق،‭ ‬ولكن‭ ‬مستقبله‭ ‬وأمنه‭ ‬يبقى‭ ‬غامضاً‭ ‬ومجهول‭.‬

6-‭ ‬مقام‭ ‬النبي‭ ‬يونس‭ (‬ذو‭ ‬النون‭) - ‬الموصل

يونس‭ ‬بن‭ ‬متى‭ (‬يُوْنُس‭ ‬ٱبْن‭ ‬مَتّىٰ‭) ‬أو‭ ‬النبي‭ ‬يونان‭ (‬جونا‭) ‬كان‭ ‬نبيًا‭ ‬يهوديًا‭ ‬يُعرف‭ ‬بأنه‭ ‬ابن‭ ‬أمتاي‭. ‬وكان‭ ‬أحد‭ ‬الأنبياء‭ ‬الصغار‭ ‬الاثني‭ ‬عشر‭ ‬في‭ ‬الكتاب‭ ‬المقدس‭ ‬العبري‭ ‬والعهد‭ ‬القديم‭ ‬المسيحي‭. ‬تُعد‭ ‬سيرته‭ ‬جزءًا‭ ‬من‭ ‬كتاب‭ ‬أكبر،‭ ‬وهو‭ ‬كتاب‭ ‬الاثني‭ ‬عشر،‭ ‬في‭ ‬الشريعة‭ ‬اليهودية‭. ‬

ويونس‭ ‬هو‭ ‬الاسم‭ ‬العربي‭ ‬للنبي‭ ‬يونان‭ ‬ويحظى‭ ‬موقع‭ ‬النبي‭ ‬بتبجيل‭ ‬اليهود‭ ‬والمسيحيين‭ ‬والمسلمين‭ ‬إذ‭ ‬أن‭ ‬يونان‭ ‬هو‭ ‬النبي‭ ‬الوحيد‭ ‬من‭ ‬بين‭ ‬الأنبياء‭ ‬الاثني‭ ‬عشر‭ ‬الصغار‭ ‬في‭ ‬الكتاب‭ ‬المقدس‭ ‬العبري‭ ‬الذي‭ ‬ذُكر‭ ‬اسمه‭ ‬في‭ ‬القرآن‭ ‬الكريم،‭ ‬وسُميت‭ ‬السورة‭ ‬العاشرة‭ ‬من‭ ‬القرآن‭ ‬الكريم،‭ ‬باسمه‭ (‬سورة‭ ‬يونس‭)‬،‭ ‬كما‭ ‬وذُكر‭ ‬يونس‭ ‬في‭ ‬القرآن‭ ‬الكريم‭ ‬عدة‭ ‬مرات‭ ‬كرسول‭ ‬من‭ ‬رسل‭ ‬الله،‭ ‬وباسم‭ ‬ذي‭ ‬النون‭ (‬ذو‭ ‬النون‭).‬

وبناءً‭ ‬على‭ ‬المعلومات‭ ‬التاريخية‭ ‬الواردة‭ ‬في‭ ‬سفر‭ ‬الملوك‭ ‬الثاني،‭ ‬يُحتمل‭ ‬أنه‭ ‬عاش‭ ‬حوالي‭ ‬عام‭ ‬785‭ ‬قبل‭ ‬الميلاد‭. ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬الوقت،‭ ‬كانت‭ ‬الإمبراطورية‭ ‬الآشورية‭ ‬واحدة‭ ‬من‭ ‬أكثر‭ ‬الإمبراطوريات‭ ‬قسوة‭ ‬وعدوانية‭ ‬في‭ ‬بلاد‭ ‬ما‭ ‬بين‭ ‬النهرين‭. ‬ورغم‭ ‬أن‭ ‬أحداث‭ ‬قصة‭ ‬يونان‭ ‬تدور‭ ‬خلال‭ ‬سنوات‭ ‬الحكم‭ ‬الآشوري،‭ ‬فمن‭ ‬المرجح‭ ‬أنها‭ ‬كُتبت‭ ‬بعد‭ ‬السبي‭ ‬البابلي،‭ ‬حين‭ ‬كانت‭ ‬ذكريات‭ ‬الطغيان‭ ‬الآشوري‭ ‬باقية‭ ‬في‭ ‬الأساطير‭ ‬ووسط‭ ‬التاريخ‭ ‬الشفوي‭ ‬لليهود‭. ‬‭ ‬وفي‭ ‬الكتاب‭ ‬المسيحي‭ ‬المقدس‭ ‬يُذكر‭ ‬سفر‭ ‬يونان‭ ‬وقصة‭ ‬الحوت‭ ‬ويُرجح‭ ‬أن‭ ‬الرواية،‭ ‬التي‭ ‬تُعارض‭ ‬القومية‭ ‬اليهودية‭ ‬الضيقة‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬الوقت،‭ ‬ويرجح‭ ‬انها‭ ‬كُتبت‭ ‬في‭ ‬القرن‭ ‬الخامس‭ ‬أو‭ ‬الرابع‭ ‬قبل‭ ‬الميلاد،‭ ‬كما‭ ‬وذُكر‭ ‬يونان‭ ‬في‭ ‬سفر‭ ‬الملوك‭ ‬الثاني‭ ‬‮١٤‬‭:‬‮٢٥‬

أُرسل‭ ‬النبي‭ (‬يونس‭ ‬بن‭ ‬متى‭) ‬إلى‭ ‬نينوى،‭ ‬حوالي‭ ‬عام‭ ‬800‭ ‬قبل‭ ‬الميلاد‭ ‬ويقال‭ ‬حينها‭ ‬ان‭ ‬أهل‭ ‬نينوى‭ ‬عاشوا‭ ‬حياةً‭ ‬فاسدةً‭ ‬وابتعدوا‭ ‬عن‭ ‬الله‭ ‬وكان‭ ‬لابد‭ ‬من‭ ‬معاقبتهم‭. ‬كان‭ ‬النبي‭ ‬يونس‭ ‬رجلًا‭ ‬عاديًا،‭ ‬وُلد‭ ‬ونشأ‭ ‬بين‭ ‬أهل‭ ‬نينوى‭ ‬ووفقًا‭ ‬للرواية‭ ‬التوراتية،‭ ‬أمر‭ ‬الله‭ ‬يونان‭ ‬بتحذير‭ ‬سكان‭ ‬نينوى‭ ‬ليتوبوا‭ ‬عن‭ ‬خطاياهم‭ ‬والعودة‭ ‬الى‭ ‬رشدهم،‭ ‬وترك‭ ‬طرقهم‭ ‬الشريرة‭ ‬فجاء‭ ‬يونس‭ ‬وأمرهم‭ ‬بعبادة‭ ‬الله‭ ‬إلهًا‭ ‬واحدًا،‭ ‬رغم‭ ‬انه‭ ‬رفض‭ ‬الاعتقاد‭ ‬بأن‭ ‬هؤلاء‭ ‬الكفرة‭ ‬المكروهين‭ ‬يستحقون‭ ‬الخلاص‭. ‬

يقال‭ ‬عن‭ ‬قصته‭ ‬مع‭ ‬الحوت‭ ‬أنه‭ ‬سافر‭ ‬غربًا‭ ‬إلى‭ ‬ميناء‭ ‬يافا‭ ‬وركب‭ ‬سفينة‭ ‬متجهة‭ ‬إلى‭ ‬ترشيش‭ ‬عبر‭ ‬البحر‭ ‬الأبيض‭ ‬المتوسط،‭ ‬وحصل‭ ‬ان‭ ‬هددت‭ ‬عاصفة‭ ‬شديدة‭ ‬السفينة،‭ ‬وأجرى‭ ‬البحارة‭ ‬قرعة‭ ‬لمعرفة‭ ‬أي‭ ‬رجل‭ ‬هو‭ ‬سبب‭ ‬مصيبتهم‭. ‬فوقعت‭ ‬القرعة‭ ‬على‭ ‬يونان،‭ ‬الذي‭ ‬أخبر‭ ‬البحارة‭ ‬أن‭ ‬العاصفة‭ ‬هي‭ ‬بسبه‭ ‬وأمرهم‭ ‬بإلقائه‭ ‬في‭ ‬البحر‭ ‬كقصاص‭ ‬له،‭ ‬ففعلوا‭. ‬وبمجرد‭ ‬أن‭ ‬أُلقي‭ ‬يونان‭ ‬في‭ ‬البحر،‭ ‬هدأت‭ ‬العاصفة،‭ ‬وابتلعه‭ ‬حوت‭ ‬ضخم،‭ ‬قضى‭ ‬في‭ ‬بطنه‭ ‬ثلاثة‭ ‬أيام‭ ‬وليالٍ‭ ‬وقام‭ ‬بالصلاة‭ ‬ودعا‭ ‬للنجاة،‭ ‬فأمر‭ ‬الله‭ ‬الحوت‭ ‬ببصق‭ ‬الرجل‭ ‬والقاءه‭ ‬على‭ ‬اليابسة،‭ ‬فسلم‭ ‬يونان‭ ‬وتوجه‭ ‬إلى‭ ‬نينوى‭ ‬امتثالًا‭ ‬لتعليمات‭ ‬الله‭ ‬الأصلية‭ ‬له‭. ‬وعند‭ ‬سماع‭ ‬اهل‭ ‬نينوى‭ ‬تحذيرات‭ ‬النبي‭ ‬العائد،‭ ‬تقول‭ ‬الأسطورة‭ ‬ان‭ ‬الملك‭ ‬وأهل‭ ‬نينوى‭ ‬تابوا‭ ‬عن‭ ‬خطاياهم‭ ‬وموبقاتهم،‭ ‬ولم‭ ‬يعاقبهم‭ ‬الله‭ ‬بعد‭ ‬ذلك‭.‬

ويُعتقد‭ ‬أن‭ ‬مدينة‭ ‬الموصل‭ ‬في‭ ‬العراق‭ ‬هي‭ ‬موقع‭ ‬دفن‭ ‬النبي‭ ‬يونان‭ ‬وعلى‭ ‬اركانه‭ ‬بُني‭ ‬جامع‭ ‬النبي‭ ‬يونس‭ (‬جامع‭ ‬ٱلنَّبِي‭ ‬يُونُس‭) ‬الذي‭ ‬هو‭ ‬مسجد‭ ‬تاريخي‭ ‬وأحد‭ ‬الرموز‭ ‬الدينية‭ ‬المهمة‭ ‬في‭ ‬نينوى‭ ‬حيث‭ ‬سبق‭ ‬واكتشف‭ ‬جلال‭ ‬الدين‭ ‬إبراهيم‭ ‬الخاتني‭ ‬قبر‭ ‬النبي‭ ‬يونس‭ ‬أثناء‭ ‬إعادة‭ ‬بناء‭ ‬الموقع‭ ‬كمسجد‭ ‬عام‭ ‬1365،‭ ‬وتم‭ ‬البناء‭ ‬فوق‭ ‬أسس‭ ‬كنيسة‭ ‬مسيحية‭ ‬آشورية‭ ‬مهدمة‭ ‬كانت‭ ‬تشير‭ ‬إلى‭ ‬قبر‭ ‬يونان،‭ ‬كما‭ ‬كان‭ ‬التل‭ ‬الذي‭ ‬يقف‭ ‬عليه‭ ‬مسجد‭ ‬النبي‭ ‬يونس‭ ‬موقعًا‭ ‬لقصر‭ ‬آشوري‭ ‬سابق‭ ‬بناه‭ ‬الملك‭ ‬أسرحدون،‭ ‬حوالي‭ ‬681‭-‬669‭ ‬قبل‭ ‬الميلاد،‭ ‬وعُثر‭ ‬على‭ ‬أدلة‭ ‬وجود‭ ‬هذا‭ ‬القصر‭ ‬تحت‭ ‬النبي‭ ‬يونس‭ ‬خلال‭ ‬أعمال‭ ‬التنقيب‭ ‬في‭ ‬ستينيات‭ ‬القرن‭ ‬التاسع‭ ‬عشر‭.‬

قاوم‭ ‬موقع‭ ‬قبر‭ ‬النبي‭ ‬يونس‭ ‬في‭ ‬الموصل‭ ‬محاولات‭ ‬تحويله‭ ‬إلى‭ ‬كنيسة‭ ‬أو‭ ‬مسجد‭ ‬لأجيال،‭ ‬وفي‭ ‬عام‭ ‬1924،‭ ‬أضاف‭ ‬مهندس‭ ‬معماري‭ ‬تركي‭ ‬مئذنة‭ ‬إلى‭ ‬مبنى‭ ‬المسجد،‭ ‬إذ‭ ‬كان‭ ‬للمسجد‭ ‬حينذاك‭ ‬مئذنة‭ ‬واحدة‭ ‬وقبة‭ ‬مخروطية‭ ‬مضلعة‭. ‬وبُنيت‭ ‬أرضيات‭ ‬المسجد‭ ‬من‭ ‬المرمر،‭ ‬وجُعلت‭ ‬غرف‭ ‬الصلاة‭ ‬ذات‭ ‬مداخل‭ ‬مقوسة‭ ‬نُقشت‭ ‬عليها‭ ‬آيات‭ ‬قرآنية،‭ ‬ويقع‭ ‬القبر‭ ‬في‭ ‬زاوية‭ ‬من‭ ‬المسجد،‭ ‬ويُعتقد‭ ‬أن‭ ‬التابوت‭ ‬المسجى‭ ‬هو‭ ‬ليونس،‭ ‬وبُني‭ ‬حوله‭ ‬ضريح‭ ‬خشبي‭. ‬

وشهد‭ ‬قبر‭ ‬النبي‭ ‬يونس‭ ‬تغييرات‭ ‬على‭ ‬مر‭ ‬السنين،‭ ‬ففي‭ ‬عهد‭ ‬صدام‭ ‬حسين،‭ ‬جُدد‭ ‬المسجد‭ ‬ووسّع،‭ ‬وعيّن‭ ‬صدام‭ ‬حسين‭ ‬حراسًا‭ ‬لحماية‭ ‬الأماكن‭ ‬المقدسة‭ ‬خلال‭ ‬فترة‭ ‬حكمه‭. ‬وفي‭ ‬كل‭ ‬عام،‭ ‬يتوافد‭ ‬مئات‭ ‬الحجاج‭ ‬المسلمين‭   ‬لتكريم‭ ‬هذا‭ ‬النبي،‭ ‬إذ‭ ‬يعتقد‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬المسلمين‭ ‬أن‭ ‬عظام‭ ‬النبي‭ ‬حُفظت‭ ‬في‭ ‬موقع‭ ‬القبر‭ ‬ويعتقدون‭ ‬أن‭ ‬الضريح‭ ‬يحتوي‭ ‬على‭ ‬أحد‭ ‬اسنان‭ ‬الحوت‭ ‬الذي‭ ‬ابتلع‭ ‬يونس‭ ‬وبقي‭ ‬في‭ ‬بطنه‭ ‬ثلاثة‭ ‬أيام‭.‬

اعتاد‭ ‬يهود‭ ‬الموصل‭ ‬زيارة‭ ‬هذا‭ ‬المقام‭ ‬بمناسبة‭ ‬عيد‭ ‬المظال‭ (‬المظلات‭)‬،‭ ‬الذي‭ ‬يبدأ‭ ‬في‭ ‬الخامس‭ ‬عشر‭ ‬من‭ ‬أكتوبر‭ ‬ويستمر‭ ‬سبعة‭ ‬أيام‭. ‬ووفقًا‭ ‬للتقاليد‭ ‬اليهودية،‭ ‬فإن‭ ‬النبي‭ ‬يونس‭ ‬توفي‭ ‬في‭ ‬عيد‭ ‬المظال،‭ ‬فصنع‭ ‬اليهود‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬العيد‭ ‬مظلةً‭ ‬ليجلس‭ ‬الزوار‭ ‬اليهود‭ ‬تحتها‭ ‬بعد‭ ‬دفع‭ ‬رسوم‭ ‬الدخول‭ ‬للحارس‭ ‬المسؤول‭ ‬عن‭ ‬المكان‭. ‬ولم‭ ‬يُسمح‭ ‬لغير‭ ‬اليهود‭ ‬بالاقتراب‭ ‬من‭ ‬التابوت‭ ‬الأخضر،‭ ‬رجالًا‭ ‬ونساءً‭ ‬وأطفالًا‭.‬

وهناك‭ ‬اساطير‭ ‬ونظريات‭ ‬وروايات‭ ‬عن‭ ‬مواقع‭ ‬أخرى‭ ‬معروفة‭ ‬بقبر‭ ‬يونان‭ ‬كما‭ ‬في‭ ‬قرية‭ ‬مشهد،‭ ‬الواقعة‭ ‬على‭ ‬موقع‭ ‬جت‭ ‬حافر‭ ‬الأثري‭ ‬في‭ ‬إسرائيل،‭ ‬وبلدة‭ ‬حلحول‭ ‬الفلسطينية‭ ‬في‭ ‬الضفة‭ ‬الغربية،‭ ‬على‭ ‬بُعد‭ ‬5‭ ‬كيلومترات‭ ‬شمال‭ ‬الخليل،‭ ‬ومزار‭ ‬قرب‭ ‬مدينة‭ ‬صرفه‭ ‬في‭ ‬لبنان‭ ‬وتقول‭ ‬رواية‭ ‬أخرى‭ ‬إن‭ ‬القبر‭ ‬يقع‭ ‬على‭ ‬تلة‭ ‬تُسمى‭ ‬الآن‭ ‬جفعات‭ ‬يونا،‭ ‬أي‭ ‬‮«‬تلة‭ ‬يونان‮»‬‭ ‬على‭ ‬الحافة‭ ‬الشمالية‭ ‬لمدينة‭ ‬أشدود‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬وفي‭ ‬موقع‭ ‬مُغطى‭ ‬بمنارة‭ ‬حديثة،‭ ‬ويمكن‭ ‬العثور‭ ‬على‭ ‬قبر‭ ‬يونان‭ ‬في‭ ‬ديار‭ ‬بكر‭ ‬بتركيا،‭ ‬خلف‭ ‬محراب‭ ‬مسجد‭ ‬فاتح‭ ‬باشا‭.‬

أدى‭ ‬تنظيم‭ ‬داعش‭ (‬2014-2017‭) ‬إلى‭ ‬محو‭ ‬التراث‭ ‬اليهودي‭ ‬في‭ ‬الموصل‭ ‬من‭ ‬على‭ ‬الخريطة‭. ‬إذ‭ ‬في‭ ‬24‭ ‬يوليو‭/‬تموز‭ ‬2014،‭ ‬فجّر‭ ‬تنظيم‭ ‬الدولة‭ ‬الإسلامية‭ ‬في‭ ‬العراق‭ ‬والشام‭ (‬داعش‭) ‬مسجد‭ ‬النبي‭ ‬يونس‭ ‬ودمره‭ ‬عمدًا‭. ‬وكانت‭ ‬الجماعة‭ ‬الإرهابية‭ ‬قد‭ ‬دمرت‭ ‬قبري‭ ‬النبيين‭ ‬يونان‭ ‬ودانيال‭ ‬والمنارة‭ ‬الحدباء‭. ‬وناشد‭ ‬السكان‭ ‬المحليون‭ ‬التنظيم‭ ‬إنقاذ‭ ‬الموقع‭ ‬الذي‭ ‬لطالما‭ ‬اعتُبر‭ ‬أحد‭ ‬‮«‬جواهر‭ ‬المدينة‮»‬‭ ‬وملتقىً‭ ‬للطوائف‭ ‬الدينية‭ ‬المختلفة‭. ‬وحسب‭ ‬قول‭ ‬الإرهابيين‭ ‬‮«‬أصبح‭ ‬المسجد‭ ‬مكانًا‭ ‬للردة،‭ ‬لا‭ ‬للصلاة‮»‬‭. ‬تؤكد‭ ‬صور‭ ‬الأقمار‭ ‬الصناعية‭ ‬الملتقطة‭ ‬في‭ ‬19‭ ‬و30‭ ‬يوليو‭/‬تموز‭ ‬2014‭ ‬تدمير‭ ‬المقام‭. ‬وتوثق‭ ‬الصور‭ ‬اللاحقة‭ ‬إزالة‭ ‬الأنقاض‭ ‬من‭ ‬الموقع‭.‬

في‭ ‬مارس‭/‬آذار‭ ‬2017،‭ ‬وبعد‭ ‬طرد‭ ‬داعش،‭ ‬عُثر‭ ‬على‭ ‬شبكة‭ ‬أنفاق‭ ‬يبلغ‭ ‬طولها‭ ‬حوالي‭ ‬كيلومتر‭ ‬واحد‭ ‬تحت‭ ‬المسجد‭ ‬ووجد‭ ‬علماء‭ ‬الآثار‭ ‬شيئًا‭ ‬غريبًا‭ ‬تحت‭ ‬أنقاض‭ ‬المسجد،‭ ‬إذ‭ ‬كان‭ ‬هناك‭ ‬عدد‭ ‬أكبر‭ ‬بكثير‭ ‬من‭ ‬الأنفاق‭ ‬التي‭ ‬عرفت‭ ‬ووُثّقت‭ ‬سابقًا‭. ‬إذ‭ ‬اكتشف‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬50‭ ‬نفقًا‭ ‬جديدًا،‭ ‬بعضها‭ ‬لا‭ ‬يتجاوز‭ ‬طوله‭ ‬بضعة‭ ‬أمتار،‭ ‬والبعض‭ ‬الآخر‭ ‬أطول‭ ‬من‭ ‬20‭ ‬متر،‭ ‬وعلى‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬سرقة‭ ‬وإزالة‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬اللوحات‭ ‬والأثريات‭ ‬لا‭ ‬تزال‭ ‬هناك‭ ‬نقوش‭ ‬وهياكل‭ ‬ومنحوتات‭ ‬آشورية‭ ‬على‭ ‬طول‭ ‬جوانب‭ ‬الجدران،‭ ‬مما‭ ‬يؤكد‭ ‬الأصل‭ ‬الآشوري‭ ‬لهذا‭ ‬الموقع‭ ‬التاريخي‭.‬

7-‭ ‬كنيس‭ ‬ساسون‭ ‬في‭ ‬الموصل

الموصل‭ ‬هي‭ ‬ثاني‭ ‬أكبر‭ ‬مدينة‭ ‬في‭ ‬العراق‭ ‬بعد‭ ‬العاصمة‭ ‬بغداد‭ ‬تقع‭ ‬على‭ ‬ضفاف‭ ‬نهر‭ ‬دجلة،‭ ‬وتضم‭ ‬آثار‭ ‬آشور‭ ‬القديمة‭ ‬ومدينة‭ ‬نينوى‭. ‬وبفضل‭ ‬موقعها‭ ‬الاستراتيجي‭ ‬والمركزي،‭ ‬لطالما‭ ‬كانت‭ ‬الموصل‭ ‬مركزًا‭ ‬للتجارة‭ ‬والسفر‭ ‬في‭ ‬المنطقة،‭ ‬وتُعتبر‭ ‬من‭ ‬أهم‭ ‬مدن‭ ‬العالم‭ ‬تاريخيًا‭ ‬وآثاريا‭ ‬وثقافيًا‭.‬

وتُعد‭ ‬محافظة‭ ‬نينوى‭ ‬ومدينة‭ ‬الموصل،‭ ‬بوتقة‭ ‬انصهار‭ ‬لمختلف‭ ‬الطوائف‭ ‬العرقية‭ ‬والدينية‭ ‬في‭ ‬العراق،‭ ‬ولعصور‭ ‬طويلة،‭ ‬كانت‭ ‬مدينة‭ ‬الموصل‭ ‬العراقية،‭ ‬التي‭ ‬تضم‭ ‬موقع‭ ‬نينوى‭ ‬التوراتية،‭ ‬موطنًا‭ ‬للعرب‭ ‬والأتراك‭ ‬والأكراد‭ ‬والمسلمين‭ ‬السنة‭ ‬والكلدان،‭ ‬والآشوريين،‭ ‬واليزيدين،‭ ‬واليهود‭. ‬لكن‭ ‬وبسبب‭ ‬معاداة‭ ‬السامية‭ ‬في‭ ‬منتصف‭ ‬القرن‭ ‬العشرين،‭ ‬فان‭ ‬معظم‭ ‬يهود‭ ‬الموصل‭ ‬الذين‭ ‬هُجّروا‭ ‬وصودرت‭ ‬أملاكهم‭ ‬خلال‭ ‬خمسينيات‭ ‬القرن‭ ‬الماضي‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬نظام‭ ‬بغداد‭ ‬الموالي‭ ‬للنازية‭ ‬خلال‭ ‬الحرب‭ ‬العالمية‭ ‬الثانية،‭ ‬وبعد‭ ‬تأسيس‭ ‬دولة‭ ‬إسرائيل‭ ‬عام‭ ‬1948

وفي‭ ‬أعقاب‭ ‬عمليات‭ ‬التهجير‭ ‬اليهودي‭ ‬في‭ ‬خمسينيات‭ ‬القرن‭ ‬الماضي،‭ ‬حُوّلت‭ ‬أضرحة‭ ‬الأنبياء‭ ‬عزرا‭ ‬وحزقيال‭ ‬ويونس‭ ‬إلى‭ ‬مساجد،‭ ‬واختفت‭ ‬مئات‭ ‬المعابد‭ ‬اليهودية،‭ ‬باستثناء‭ ‬معبد‭ ‬مائير‭ ‬طويق‭ ‬في‭ ‬بغداد،‭ ‬ولم‭ ‬يبقَ‭ ‬إلا‭ ‬قلة‭ ‬من‭ ‬اليهود‭ ‬على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬وجود‭ ‬أقليات‭ ‬دينية‭ ‬أخرى،‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬معبد‭ ‬ساسون‭ ‬التاريخي‭ ‬في‭ ‬الموصل،‭ ‬الذي‭ ‬نجا‭ ‬من‭ ‬الدمار‭ ‬الكامل،‭ ‬ولكنه‭ ‬تضرر‭ ‬بشدة‭.  ‬ويُعد‭ ‬معبد‭ ‬ساسون‭ ‬المعبد‭ (‬الكنيس‭) ‬الوحيد‭ ‬الباقي‭ ‬في‭ ‬الموصل،‭ ‬ويعتبر‭ ‬الحفاظ‭ ‬عليه‭ ‬كرمز‭ ‬وتذكير‭ ‬للتعايش‭ ‬المجتمعي‭ ‬المختلط‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬قائمًا‭ ‬في‭ ‬العراق‭ ‬عبر‭ ‬التاريخ‭ ‬امرأ‭ ‬مهما‭ ‬إذ‭ ‬كان‭ ‬المعبد‭ ‬الرئيسي‭ ‬في‭ ‬المدينة‭ ‬خلال‭ ‬القرن‭ ‬العشرين‭ ‬نظرًا‭ ‬لموقعه‭ ‬المركزي‭ ‬في‭ ‬الحي‭ ‬اليهودي،‭ ‬وممثلاً‭ ‬للتراث‭ ‬اليهودي‭ ‬المستمر‭ ‬في‭ ‬الموصل‭. ‬

يعود‭ ‬تاريخ‭ ‬كنيس‭ ‬ساسون‭ ‬في‭ ‬الموصل‭ ‬الى‭ ‬عام‭ ‬1902،‭ ‬وتُشير‭ ‬اللوحات‭ ‬عند‭ ‬منعطف‭ ‬أحد‭ ‬أزقة‭ ‬مدينة‭ ‬الموصل‭ ‬إلى‭ ‬أنقاض‭ ‬كنيس‭ ‬ساسون‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬في‭ ‬يوم‭ ‬من‭ ‬الأيام‭ ‬قلب‭ ‬الجالية‭ ‬اليهودية‭ ‬الموصلية‭ ‬المزدهرة‭ ‬وقوامها‭ ‬6000‭ ‬شخص،‭ ‬وكانت‭ ‬مدينة‭ ‬الموصل‭ ‬رمزاًٌ‭ ‬وعنواناً‭ ‬لتعددية‭ ‬الأديان،‭ ‬إلا‭ ‬انه‭ ‬بعد‭ ‬الغزو‭ ‬الأمريكي‭ ‬للعراق‭ ‬عام‭ ‬2003‭ ‬اهمل‭ ‬الموقع‭ ‬تماماً‭ ‬واستُخدم‭ ‬الكنيس‭ ‬للتخلص‭ ‬من‭ ‬القمامة،‭ ‬وحُوِّل‭ ‬حمامه‭ ‬إلى‭ ‬حظيرة‭ ‬للخيول،‭ ‬وتنتشر‭ ‬الأنقاض‭ ‬والخردة‭ ‬المعدنية‭ ‬حوله‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬مكان،‭ ‬كما‭ ‬انهار‭ ‬الجزء‭ ‬الداخلي‭ ‬للكنيس،‭ ‬المكون‭ ‬من‭ ‬طابقين‭ ‬وتصدعت‭ ‬الأعمدة‭ ‬والأقواس‭ ‬ذات‭ ‬اللون‭ ‬الأزرق‭ ‬السماوي‭ ‬وتفككت‭ ‬الدرجات‭ ‬المؤدية‭ ‬إلى‭ ‬خزانة‭ ‬مخطوطات‭ ‬التوراة،‭ ‬كما‭ ‬امتلأ‭ ‬العقار‭ ‬بالحطام‭ ‬المتراكم‭ ‬في‭ ‬المبنى‭ ‬على‭ ‬مدى‭ ‬العقود‭ ‬الماضية‭ ‬مما‭ ‬أدى‭ ‬إلى‭ ‬تعريض‭ ‬الديكور‭ ‬الداخلي‭ ‬واللوحات‭ ‬الجدارية،‭ ‬للعوامل‭ ‬الجوية‭ ‬وزيادة‭ ‬خطر‭ ‬سقوط‭ ‬بقية‭ ‬البناية،‭ ‬وعلاوة‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬استهدف‭ ‬اللصوص‭ ‬الموقع،‭ ‬مما‭ ‬أدى‭ ‬إلى‭ ‬سرقة‭ ‬الممتلكات‭ ‬الثقافية‭ ‬اليهودية‭. ‬واليوم،‭ ‬لا‭ ‬تزال‭ ‬البناية‭ ‬فارغة،‭ ‬مغلقة،‭ ‬ومتهالكة‭ ‬بسبب‭ ‬الإهمال‭ ‬المتعمد،‭ ‬في‭ ‬بلدٍ‭ ‬يسوده‭ ‬الفساد‭ ‬وسوء‭ ‬الإدارة‭. ‬إن‭ ‬محاولة‭ ‬إحياء‭ ‬الذاكرة‭ ‬اليهودية‭ ‬للمدينة‭ ‬والمساعدة‭ ‬في‭ ‬إعادة‭ ‬بناء‭ ‬الكنيس‭ ‬أمرٌ‭ ‬محفوفٌ‭ ‬بالمخاطر،‭ ‬ومع‭ ‬ذلك،‭ ‬يُناصر‭ ‬بعض‭ ‬العراقيين‭ ‬الحفاظ‭ ‬على‭ ‬الذاكرة‭ ‬اليهودية‭ ‬في‭ ‬الموصل‭ ‬والعراق‭. ‬

بعد‭ ‬عام‭ ‬من‭ ‬تحرير‭ ‬المدينة‭ ‬من‭ ‬داعش‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬2017،‭ ‬بدأت‭ ‬بقايا‭ ‬أماكن‭ ‬العبادة‭ ‬الدينية‭ ‬التاريخية‭ ‬والآثار‭ ‬والمتاحف‭ ‬في‭ ‬الظهور‭ ‬من‭ ‬بين‭ ‬أنقاض‭ ‬الحرب،‭ ‬وكان‭ ‬أحدها‭ ‬كنيس‭ ‬ساسون‭. ‬ووفقًا‭ ‬لليونسكو،‭ ‬فقد‭ ‬تم‭ ‬تدمير‭ ‬80٪‭ ‬من‭ ‬التراث‭ ‬الثقافي‭ ‬لمدينة‭ ‬الموصل،‭ ‬بما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬الحي‭ ‬اليهودي‭. ‬وتُبذل‭ ‬حالياً‭ ‬جهودٌ‭ ‬بقيادة‭ ‬عددٍ‭ ‬من‭ ‬اليهود‭ ‬العراقيين‭ ‬المغتربين‭ ‬للحفاظ‭ ‬على‭ ‬الكنيس،‭ ‬ومعه‭ ‬التراث‭ ‬اليهودي‭ ‬الموصلي‭ ‬المُعرَّض‭ ‬لخطر‭ ‬الضياع‭ ‬إلى‭ ‬الأبد‭. ‬يأتي‭ ‬هذا‭ ‬الجهد‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬الذي‭ ‬تُخصِّص‭ ‬فيه‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬المنظمات‭ ‬الثقافية‭ ‬الدولية‭ ‬الأموال‭ ‬والكوادر‭ ‬لإعادة‭ ‬بناء‭ ‬المعالم‭ ‬التاريخية‭ ‬المهمة‭ ‬في‭ ‬المدينة،‭ ‬مثل‭ ‬جامع‭ ‬النوري‭ ‬الكبير‭ ‬ومئذنته‭ ‬الحدباء‭ ‬المميزة،‭ ‬وكنيسة‭ ‬سيدة‭ ‬الساعة‭ ‬بعد‭ ‬ان‭ ‬فجَّرهما‭ ‬تنظيم‭ ‬داعش‭ ‬عام‭ ‬2017‭. ‬وفي‭ ‬يناير‭/‬كانون‭ ‬الثاني،‭ ‬أعلنت‭ ‬القنصلية‭ ‬الأمريكية‭ ‬في‭ ‬أربيل‭ ‬عن‭ ‬تمويل‭ ‬بقيمة‭ ‬500‭ ‬ألف‭ ‬دولار‭ ‬لترميم‭ ‬كنيس‭ ‬حزقيال‭ ‬الصغير‭ ‬بالقرب‭ ‬من‭ ‬عقرة‭ ‬،‭ ‬وأعربت‭ ‬منظمة‭ ‬‮«‬ألف‮»‬،‭ ‬التحالف‭ ‬الدولي‭ ‬لحماية‭ ‬التراث‭ ‬في‭ ‬مناطق‭ ‬النزاع،‭ ‬ومقرها‭ ‬سويسرا،‭ ‬عن‭ ‬استعدادها‭ ‬لدعم‭ ‬مشروع‭ ‬ترميم‭ ‬مُحتمل‭ ‬لكنيس‭ ‬ساسون،‭ ‬ومع‭ ‬كل‭ ‬تلك‭ ‬المبادرات‭ ‬القيمة‭ ‬فإن‭ ‬كنيس‭ ‬ساسون‭ ‬يبقى‭ ‬كما‭ ‬تبقى‭ ‬ذكريات‭ ‬يهود‭ ‬الموصل‭ ‬والعراق،‭ ‬كتذكير‭ ‬لفهم‭ ‬مبدأ‭ ‬التعددية‭ ‬الدينية‭ ‬وأهمية‭ ‬السلام‭ ‬في‭ ‬ظلّ‭ ‬التنوع‭ ‬المجتمعي‭ ‬والديني‭ ‬في‭ ‬الوطن‭ ‬الواحد‭. ‬

8-‭ ‬مقام‭ ‬النبي‭ ‬عبيدية‭ - ‬الموصل

يقع‭ ‬هذا‭ ‬المقام‭ ‬في‭ ‬الحي‭ ‬اليهودي‭ ‬بالموصل،‭ ‬وفي‭ ‬داخل‭ ‬سرداب‭ ‬مظلم‭ ‬في‭ ‬البناية‭ ‬نجد‭ ‬نعش‭ ‬مغطى‭ ‬بقماش‭ ‬مخملي‭ ‬أخضر،‭ ‬وكان‭ ‬اليهود‭ ‬يزورون‭ ‬هذا‭ ‬المقام‭ ‬في‭ ‬عيد‭ ‬الأسابيع،‭ ‬ويدخلون‭ ‬إليه‭ ‬ويستلقون‭ ‬بجانب‭ ‬القبر‭. ‬أما‭ ‬المسلمون،‭ ‬فلم‭ ‬يعتادوا‭ ‬الدخول‭ ‬اليه،‭ ‬بل‭ ‬كانوا‭ ‬يقفون‭ ‬بجانب‭ ‬نافذة‭ ‬في‭ ‬الجدار‭ ‬الشرقي‭ ‬ويتهامسون‭ ‬سراً‭ ‬بما‭ ‬يسألون‭ ‬ويطلبون‭ ‬من‭ ‬النبي‭ ‬عبيدية‭ ‬صلوات‭ ‬من‭ ‬اجل‭ ‬تحقيق‭ ‬النذور‭ ‬والأمنيات‭. ‬

لقد‭ ‬قدّم‭ ‬المُكّون‭ ‬والمُجتمع‭ ‬اليهودي‭ ‬مساهمةً‭ ‬إيجابية‭ ‬عميقة‭ ‬للمجتمع‭ ‬العراقي،‭ ‬وعلى‭ ‬الدولة‭ ‬تقع‭ ‬مسؤولية‭ ‬الحفاظ‭ ‬على‭ ‬تراثه‭ ‬ومواقعه‭ ‬الدينية‭ ‬تمامًا‭ ‬كما‭ ‬هو‭ ‬حال‭ ‬الحفاظ‭ ‬على‭ ‬القلة‭ ‬القليلة‭ ‬من‭ ‬اليهود‭ ‬العراقيين‭ ‬الأصلاء‭ ‬الذين‭ ‬ما‭ ‬زالوا‭ ‬يقيمون‭ ‬في‭ ‬زوايا‭ ‬خفية‭ ‬من‭ ‬العراق،‭ ‬وتجري‭ ‬أحاديثهم‭ ‬وحياتهم‭ ‬عن‭ ‬تاريخهم‭ ‬همساً‭ ‬ًوسرًا،‭ ‬ويكتّم‭ ‬بعضهم‭ ‬إيمانهم،‭ ‬ولكنهم‭ ‬استمروا‭ ‬متمسكين‭ ‬بتراب‭ ‬وطنهم‭ ‬واجدادهم‭ ‬رغم‭ ‬كل‭ ‬مصائبهم،‭ ‬وجَور‭ ‬الأهل‭ ‬والجيران‭ ‬والزمان‭ ‬والمكان‭.‬

‭ ‬المصادر‭:‬‭ ‬ويكيبيديا،‭ ‬‮«‬المزارات‭ ‬اليهودية‭ ‬في‭ ‬العراق‮»‬‭ ‬للدكتورة‭ ‬وسن‭ ‬حسين‭ ‬محيميد،‭ ‬ذكريات‭ ‬عدن‭ ‬لفيوليت‭ ‬شمش،‭ ‬يهود‭ ‬العراق‭ (‬تاريخهم‭ ‬وأحوالهم‭ ‬وهجرتهم‭) ‬ليعقوب‭ ‬يوسف‭ ‬كورية،‭ ‬الشوق‭ ‬إلى‭ ‬تاريخ‭ ‬يهود‭ ‬العراق،‭ ‬نزهة‭ ‬المشتاق‭ ‬في‭ ‬تاريخ‭ ‬يهود‭ ‬العراق،‭ ‬نُشر‭ ‬عام‭ ‬1922،‭ ‬ليوسف‭ ‬رزق‭ ‬الله‭ ‬غنيمة،‭ ‬تاريخ‭ ‬يهود‭ ‬العراق‭ ‬في‭ ‬القرن‭ ‬العشرين‭ ‬لمير‭ ‬بصري،‭ ‬بغداد‭ ‬الأمس‭ - ‬صناعة‭ ‬يهودي‭ ‬عربي‭ ‬لساسون‭ ‬سوميخ،‭ ‬صور‭ ‬ليفي‭ ‬كلانسي،‭ ‬روبرت‭ ‬فيلبوت،‭ ‬وبريتانيكا‭ ‬‭- ‬جينيفر‭ ‬مورتوف‭.‬