قلعة أربيل
Dr. Miri at the foot of Erbil Citadel in 2019.
رحلة مع تاريخ يمتد لآكثر من 6 آلاف
بقلم الدكتور عضيد ميري
قلعة أربيل هي قلعة وحصن أثري تقع فوق تل في مركز مدينة أربيل في كردستان العراق وهي بمثابة مركز مدينة أربيل التاريخي وأُدرجت القلعة على قائمة التراث العالمي منذ 21 يونيو 2014
يعود أقدم دليل على احتلال الإنسان لقلعة أربيل إلى الألفية الخامسة قبل الميلاد وربما قبل ذلك. وقد ظهر هذا الدليل لأول مرة في المصادر التاريخية في ألواح إيبلا حوالي عام 2000 قبل الميلاد، واكتسبت أهمية خاصة خلال العصر الآشوري الحديث. أصبحت أربيل مركزا هاما للمسيحية خلال الفترة الساسانية والخلافة العباسية، لكن أهميتها تراجعت بعد أن استولى المغول على القلعة عام 1258
خلال القرن العشرين، طرأ تعديل على البنية الحضرية، مما أدى إلى تدمير عدد من المنازل والمباني العامة وفي عام 2007، تأسست الهيئة العليا لإعادة إحياء قلعة أربيل للإشراف على ترميم القلعة، وفي نفس العام أُجلي جميع السكان باستثناء عائلة واحدة من القلعة كجزء من مشروع ترميم كبير، ومنذ ذلك الحين، نفذت أعمال البحث والترميم الأثرية في التل وما حوله من قبل فرق دولية مختلفة وبالتعاون مع منظمة اليونيسكو ومتخصصين محليين، وتخطط الحكومة لاستضافة 50 عائلة في القلعة بمجرد الانتهاء من تجديدها.
تمتد المباني الموجودة أعلى التل على مساحة بيضاوية تقريبًا تبلغ 430 × 340 مترًا (1410 قدمًا × 1120 قدمًا) وتحتل مساحة 102000 متر مربع (1100000 قدم مربع). الهيكل الديني الوحيد الباقي هو مسجد الملا أفندي. يرتفع التل ما بين 25 و32 مترًا (82 و105 قدمًا) عن السهل المحيط به. عندما احتلت القلعة بالكامل، تم تقسيمها إلى ثلاث مناطق أو المحلات (من الشرق إلى الغرب) كما يلي: السراي، والتكية، والطوبخانة. كانت تسكن السراي عائلات بارزة، في حين سميت منطقة التكية على اسم بيوت الدراويش المعروفة بالتكيات، أما منطقة طوبخانة فكانت موطنًا للحرفيين والمزارعين.
تاريخ أربيل القديم
تتمتع مدينة أربيل، الواقعة شمال العراق، بجمالٍ أخّاذ من نواحٍ عديدة. وقليلٌ من المدن يضاهيها تاريخها؛ فهي من أقدم مدن العالم المأهولة بالسكان باستمرار، إذ يعود تاريخ استيطانها إلى ما لا يقل عن 8000 عام. ويزعم المؤرخون أن المدينة كانت مأهولةً بشكل دائم منذ الألفية الخامسة قبل الميلاد، مما يجعلها من أقدم مدن العالم.
وترتبط قلعة أربيل بمدينة أربيل، وهي مركز سياسي وديني آشوري مهم. وقد ذُكرت منذ عصور ما قبل السومريين في العديد من المصادر المكتوبة، ويتميّز اسمها باستمراريته (إربيلوم، أوربيلوم، أوربيل، أربيلا، أربيل). وتوثّق السجلات التاريخية المكتوبة والأيقونات تاريخ مراحل الاستيطان في الموقع منذ القدم إذ شهدت هذه المنطقة بعضًا من أهم التطورات في تاريخ البشرية، بفضل الحضارات المبكرة - كبداية الزراعة مثلًا، ونتيجةً لذلك، قد يحمل (التل) أسرارًا مهمة عن ماضينا البشري القديم تنتظر من يكتشفها.
تتربع القلعة القديمة في قلب المدينة وتُعد قلعة أربيل موقعًا للتراث العالمي لليونسكو، ومُعترف بها كمثال على تل أثري متعدد الطبقات يُطل على مدينة حديثة نمت حولها على مر القرون. لا يُمكننا إدراك الثروة الكامنة للبقايا الأثرية تحت قلعة أربيل إلا بعد أن نفهم عمرها والحضارات العديدة التي عاشت فيها. فعلى مدار تاريخها الطويل، كانت القلعة موطنًا للسومريين والأكاديين والحثيين والآشوريين والبابليين والأخمينيين والبارثيين والإغريق والرومان والساسانيين والمسلمين والتيموريين والمغول والعثمانيين، والآن الأكراد. قرونٌ من الاستيطان البشري، معارك وحصارات، انحدارات وصعود، هدم وبناء وبذلك إنها منطقة أثرية متعددة الطبقات، لا تُفوّت على كل فضولي ومؤرخ.
ربما يعود تاريخ موقع القلعة إلى وقت مبكر قد يعود إلى العصر الحجري الحديث حيث عُثرت على أجزاء من الفخار يرجع تاريخها إلى تلك الفترة على سفوح التل. وهو دليل واضح على الاستيطان السكاني ويأتي من العصر الحجري النحاسي مع شقف تشبه الفخار في فترتي العبيد وأوروك في الجزيرة وجنوب شرق الأناضول على التوالي. بالنظر إلى هذا الدليل على الاستيطان المبكر، فقد سميت القلعة كأقدم موقع مأهول باستمرار في العالم.
أقدم السجلات التاريخية
ذُكرت أربيل لأول مرة في السجلات المسمارية للملك السومري شولكي عام 2000 قبل الميلاد، وأطلق عليها البابليون والآشوريون اسم “أربا إيلو” أي مدينة (الآلهة الأربعة). وهي المدينة الوحيدة التي بقيت مأهولة واحتفظت باسمها الأصلي على مر القرون. وعلى مر آلاف السنين، خضعت أربيل لحكم إمبراطوريات مثل السومريين والآشوريين والبابليين والميديين والأخمينيين، ولاحقًا الساسانيين والفرس واليونانيين، والبارثيين، والعرب، والعثمانيين. كانت أربيل مدينة قديمة بالفعل عندما هزم الإسكندر الكبير الملك الفارسي داريوس الثالث على بُعد حوالي 80 كيلومترًا شمال غربها في معركة غوغميلا، المعروفة أيضًا باسم معركة (أربيل)، عام 331 قبل الميلاد.
وفي المصادر الأدبية نجد أربيل حوالي 2300 قبل الميلاد في أرشيف إبلا ومذكورة في لوحين باسم (أربيلوم). كانت المدينة في البداية تحت السيطرة السومرية إلى حد كبير من 3000 ق م، حتى ظهور الإمبراطورية الأكادية (2335-2154 ق م) التي وحدت الأكاديين والسومريين في بلاد ما بين النهرين تحت حكم واحد. وفي نهاية الألفية الثالثة قبل الميلاد، ورد ذكر أربيل في السجلات التاريخية لفترة أور الثالثة باسم «أوربيلوم». دمر الملك شولجي أوربيلوم في عام حكمه الثالث والأربعين وفي عهد خليفته أمار سين دُمجت أوربيلوم في ولاية أور الثالثة. في القرن الثامن عشر قبل الميلاد، ظهرت أربيل في قائمة المدن التي احتلها شمشي أدد الأول من بلاد ما بين النهرين العليا ودادوشا من إشنونة خلال حملتهم ضد أرض قبرا. نصب شمشي أدد حاميات في جميع مدن أرض أربيل. خلال الألفية الثانية قبل الميلاد، دُمجت أربيل في آشور وكانت بمثابة نقطة انطلاق للحملات العسكرية باتجاه الشرق.
ازداد حجم اربيل وأهميتها بمرور الوقت، واكتسبت المدينة أهمية خاصة خلال العصر الآشوري الحديث، حيث أصبحت مركزًا تجاريًا يضم مجمعًا دينيًا مهمًا مخصصًا للإلهة (عشتار أربيلا). واصبحت مدينة مهمة خلال العصر الآشوري الحديث وجزءًا لا يتجزأ من مملكة آشور من القرن الحادي والعشرين قبل الميلاد إلى نهاية القرن السابع قبل الميلاد، عندما استولى عليها الغوتيون. خلال العصر الآشوري الحديث، كُتب اسم المدينة باسم “أربي-إيلو”، أي “الآلهة الأربعة”، وكانت تُعرف أيضًا باسم “أوربيليم” و”أربيلا” و”أربا-إيلو”.
بعد نهاية الإمبراطورية الآشورية سيطر الميديون على أربيل أولاً ثم تم دمجها في الإمبراطورية الأخمينية قبل أن تصبح جزءًا من إمبراطورية الإسكندر الكبير بعد معركة غوغميلا التي دارت بالقرب من أربيل عام 331 قبل الميلاد. في وقت لاحق، بعد تقسيم امبراطورية الإسكندر الكبير من قبل جنراله (المعروف باسم ديادوتشوي)، سميت المدينة بأرابيلا أو أربيلا وكانت جزءًا من مملكة الهلنستية السلوقية. ولكن بعد القرن الأول قبل الميلاد، تنازعت الإمبراطوريتان الرومانية والبارثية على السيطرة على أربيل، أو أربيرا كما كانت تُعرف في تلك الفترة. وأصبحت أربيلا مركزًا مسيحيًا مهمًا. خلال الفترة الساسانية.
أربا إيلو: مدينة الآلهة الأربعة كمركز ديني
كانت أربيل مركزًا دينيًا هامًا، يُضاهي مدنًا مثل بابل وآشور. وكانت إلاهتها، عشتار الأربيلية، إحدى الآلهة الرئيسية وكثيرًا ما أُطلق عليها اسم عشتار نينوى ورُمِّم حرمها على يد الملوك شلمنصر الأول، وأسرحدون، وآشور بانيبال. وتُوثِّق نقوش آشور بانيبال أحلامًا نبوية مستوحاة من عشتار الأربيلية ويُرجَّح أن آشور بانيبال عقد بلاطه في أربيل خلال فترة من حكمه، واستقبل مبعوثين من روسا الثاني ملك أورارتو بعد هزيمة الحاكم العيلامي تيومان.
بعد القرن الميلادي الأول، أصبحت أربيل (أربا إيلو/الآلهة الأربعة) مركزًا هاماً ومبكرًا للمسيحية، ولا يزال عدد كبير من المسيحيين يعيشون فيها وفي المناطق المجاورة مثل عنكاوا. وخلال العصر الساساني، كانت أربيل مقرًا للمرزبان (حاكم). في عام 340 ميلادي، تعرض المسيحيون في أربيل للاضطهاد، وفي عام 358 ميلادي، استشهد الحاكم بعد اعتناقه المسيحية. تأسست مدرسة نسطورية في أربيل على يد مدرسة نصيبين حوالي عام 521 ميلادي خلال هذه الفترة، كانت أربيل أيضًا موقعًا لمعبد نار زرادشتي. وظلت مركزًا مسيحيًا مهمًا حتى القرن التاسع الميلادي، عندما نقل أسقف أربيل مقره إلى الموصل.
فتح المسلمون أربيل في القرن السابع الميلادي، ولكن لم تصبح المدينة إسلامية إلى حد كبير إلا بعد أن دمرها الفاتح التركي تيمور (تيمورلنك) في أواخر القرن الرابع عشر الميلادي. إذ كانت الموصل (التي تبعد حوالي 80 كيلومترًا إلى الغرب) قد تفوقت عليها من حيث الأهمية الاقتصادية بحلول القرن الثالث عشر الميلادي، لكنها ظلت مركزًا إقليميًا مهمًا في القرون التي تلت ذلك. وعندما غزا المغول الشرق الأدنى في القرن الثالث عشر، هاجموا أربيل لأول مرة عام 1237. نهبوا المدينة السفلى، لكنهم اضطروا إلى التراجع أمام جيش الخليفة المُقترب، واضطروا إلى تأجيل الاستيلاء على القلعة. وبعد سقوط بغداد بيد هولاكو والمغول عام 1258، عادوا إلى أربيل للاستيلاء على القلعة بعد حصار دام ستة أشهر ثم عيّن هولاكو حاكمًا مسيحيًا على المدينة، وتدفق اليها المسيحيون اليعاقبة، وسُمح لهم ببناء كنيسة.
مع مرور الوقت، بدأ اضطهاد المسيحيين واليهود والبوذيين في جميع أنحاء الإلخانات بشكل جدي عام 1295 في عهد أمير أويرات نوروز. وفي عهد الإلخان أولجايتو، تراجع بعض السكان المسيحيين إلى القلعة هربًا من الاضطهاد. في ربيع عام ١٣١٠، حاول حاكم المنطقة انتزاعها منهم بمساعدة الأكراد ورغم جهود مار ياهبالله الحثيثة لتفادي الهلاك الوشيك، استولت قوات الإلخانات أخيرًا على القلعة في الأول من يوليو عام ١٣١٠، وقُتل جميع المدافعين عنها، وكذلك جميع سكان المدينة السفلى المسيحيين.
بعدما استولى المسلمون على أربيل في القرن السابع ظلت مركزًا مسيحيًا مهمًا حتى القرن التاسع، عندما نقل أسقف أربيل مقعده إلى الموصل. في منتصف القرن العاشر خضعت أربيل لحكم الكرد الهذبانيون حتى احتلها السلاجقة عام 1063. ومن النصف الأول من القرن الثاني عشر حتى عام 1233، كانت أربيل مقراً للبيغتينيون وهي سلالة برزت في عهد الزنكي، وفي عام 1183 تحول حاكم أربيل زين الدين يوسف إلى جانب السلطنة الأيوبية. في عام 1190 عندما توفي زين الدين يوسف أصبح شقيقه الأكبر مظفر الدين كوكبوري الذي كان محافظً الرها سابقًا الحاكم الجديد لأربيل، الذي أنشأ بلدة منخفضة حول المدينة على تل القلعة وأسس المستشفيات والمدارس. توفي كوكبوري في عام 1233 دون وريث وانتقلت السيطرة على أربيل إلى الخليفة العباسي المستنصر بعد أن حاصر المدينة.
بعد معركة جالديران عام 1514 أصبحت أربيل تحت إمارة سوران الكردية وهي إمارة شبه مستقلة تحت حكم العثمانيين. في القرن الثامن عشر استولى إمارة بابان وهي إمارة كردية أيضًا على المدينة، ولكن استعادها حاكم سوران الأمير محمد الرواندزي في عام 1822 واستمرت إمارة سوران في الحكم على أربيل حتى تم الاستيلاء عليها من قبل العثمانيين عام 1851 وأصبحت أربيل جزءًا من ولاية الموصل في الدولة العثمانية حتى الحرب العالمية الأولى، عندما هزم العثمانيون وحلفاؤهم الكرد على يد الإمبراطورية البريطانية كان عدد سكان المدينة حوالي 3200 نسمة بما في ذلك أقلية يهودية.
قلعة أربيل (أقدم مستوطنة بشرية مأهولة باستمرار على الأرض)
قلعة أربيل مستوطنة كلاسيكية محصنة، تقع على قمة تل بيضاوي الشكل. وفي علم الآثار، يُعرف التل بأنه تل شديد الارتفاع، عادةً ما تُشيده أجيال عديدة من الناس الذين يعيشون في نفس الموقع، ويعيدون البناء باستمرار على طبقات سابقة. هذا يعني أن حضارات وثقافات عديدة استوطنت أربيل على مدار تاريخها الممتد لثمانية آلاف عام، جميعها مبنية فوق بعضها البعض. عرفت هذه القلعة بأنها أقدم مدينة مسكونة في العالم بشكل مستمر، ويعود تأريخها الى (٦٠٠٠) سنة قبل الميلاد في العصر السومري وكانت تُدعى (آربايلو) والذي تعني “الآلهة الأربعة” وكانت مكان للعبادة، إذ يوجد في وسطها معبد يعود تأريخه إلى العصر الآشوري.
تُحيط أسوار القلعة العالية بحافة تل يصل ارتفاعه إلى 30 مترًا فوق المدينة الحديثة التي تقع في أسفله ويمكن رؤيته بوضوح من على بُعد أميال، ويَُعد أحد أكثر المعالم إثارة في الشرق الأوسط - وهو ما لاقى استحسانًا كبيرًا من تجار طريق الحرير الذين سلكوا هذا الطريق لمدة 1500 عام.
تشير الاكتشافات والتحقيقات الأثرية إلى أن التل يخفي مستويات وبقايا عدة طبقات من المستوطنات السابقة، بينما كشف محيطه المباشر والأوسع عن آثار مستوطنات سومرية وأكادية وبابلية وآشورية ويونانية وعثمانية وعربية وُجدت في الطبقات العديدة تحت السطح الحالي للقلعة. وبالطبع، فإن عمر هذا (التل) هذا التل الدائري الشكل تقريبًا، الذي يبلغ متوسط قطره حوالي 400 متر، ويغطي مساحة 102,000 متر مربع، يجعل من الصعب على علماء الآثار تحليله بالكامل. وليومنا لم يخضع التل للتحقيق الدقيق من قبل علماء الآثار، ولكن يُعتقد أن بقايا العديد من المدن تقع واحدة تحت الأخرى وبسبب عوامل التعرية والعمليات الطبيعية، يمكن العثور على العديد من شظايا الفخار على المنحدرات الشديدة للتل يشير بعضها إلى أنماط فخارية كلاسيكية من العصر الحجري الحديث، كما وتم اكتشاف شظايا فخارية يرجع تأريخها إلى (العصر النحاسي)، مع تشابه واضح مع عصور ما قبل التاريخ في أوروك وعبيد في بلاد ما بين النهرين.
مع كل هذه الأدلة، لُقبت قلعة أربيل مرارًا وتكرارًا بـ “أقدم موقع مأهول بالسكان بشكل مستمر في العالم”. في 2 أبريل 2019، وصفتها وكالة ناسا الفضائيه بأنها أقدم مدينه سكنها البشر في التاريخ وذكرت لأول مره في عهد الإمبراطورية السومرية قبل أكثر من 5000 سنه بأسم “ أوربلم” وبأنها ربما أقدم مستوطنة بشرية مأهولة بشكل مستمر على وجه الأرض، ويعود تاريخها إلى ما لا يقل عن 6000 عام وذكرت ناسا في منشورها، أن موقع قلعة أربيل احتفظ بمكانة مرموقة لدى كل الحضارات التي مرت بالمنطقة، بدءً من حضارات ميزوبوتاميا القديمة، إلى المغول ومن ثم العثمانيين وغيرهم.
يعود الكثير مما تبقى من القلعة إلى عصور أكثر حداثة ومن منظور عال، يمكن للمرء أن يرى النمط الهندسي الفريد الذي يشبه المروحة والتصميم الشعاعي وهذه بقايا من المرحلة العثمانية المتأخرة، عندما غزا الأتراك العثمانيون أربيل عام 1851 ومع ذلك، هناك أكثر مما تراه العين فالأسرار المخفية تحت الأرض تهمس بعصور قديمة حقًا عندما سكنت الحضارات البدائية في المنطقة.
تُعد القلعة رمزًا رئيسيًا لهوية أربيل ويعرفها السكان المحليون باسم (قلعة) ويحيط بالقلعة (التل) مساحة واسعة من أربيل الحديثة، وتضم المستوطنة داخل القلعة حوالي 322 مجموعة من المباني، جميعها متقاربة ومفصولة بشوارع ضيقة متقاطعة، كما يوجد فيها أيضًا العديد من القصور وأربعة مساجد ذات مآذن شاهقة، وبعض الحمامات العثمانية. يمكن إرجاع معظم المباني إلى القرن الثامن عشر والحكم العثماني ويمكن رؤية المخطط والشكل الحضري العثماني المتميز في المباني وأنماط الشوارع. جميع هذه الشوارع والأزقة المسدودة، الشبيهة بالمتاهة، تُشكّل نقطة انطلاق واحدة - البوابة الكبرى، المُحاطة بممرين شديدي الانحدار، مما يسمح بالدخول إلى مستوطنة التل نفسها. ويمنح اللون الأصفر الترابي للقلعة والجدار المحصن المحيط بها مشهدا فريداً في منطقة الشرق الأوسط.
تضم التلة المحصنة حوالي 100 منزل تقليدي تم بناؤها متجاورة فيما بعضها لتشكل جدارا محصنا يشبه إلى حد الكبير القلاع المحصنة في العصور الوسطى ويمكن الوصول إليها من خلال متاهة من الأزقة الضيقة. كما تضم التلة ثلاثة سلالم على منحدراتها الشمالية والشرقية والجنوبية، تؤدي إلى أبواب المنازل الخارجية المبنية على الحافة. في الأصل، لم يكن هناك سوى منحدر واحد هو المنحدر الجنوبي الذي يطل على بوابة ضخمة مقوسة تؤدي إلى ساحة صغيرة مفتوحة، والتي بدورها تؤدي إلى أربعة أزقة رئيسية متشعبة في كل الاتجاهات مثل أغصان الشجرة. ورغم صغر حجمها، قسمت القلعة إلى ثلاث مناطق هي سراي والتكية وطوبخانة الگورانین. احتلت العائلات الكبيرة والبارزة منطقة السراي، وخصصت منطقة التكية لمنازل الدراويش، ويعيش في الطوبخانة الحرفيون والمزارعون.
كانت القلعة مسورة في العهد الأتابكي (1128 -1233م)، ويحيطها خندق عميق لزيادة حصانتها، وكان في هذا السور أكثر من باب، فقد ذكر ابن المستوفي الباب الشرقي والباب الغربي، وكان هناك أيضا باب عمكا (المواجهة لعينكاوا)، كانت هذه الأبواب تغلق ليلا بالبوابات الخشبية العملاقة يقوم بغلقها حراس مكلفون بهذا الشأن وتغلق أثناء الهجمات. والبوابات هي:
البوابة الشمالية: وهي بوابة ضخمة مقوسة كانت تسمى قديما باب عمكا كان أعظم أبوابها على الحافة الشمالية الذي سد في وقت ما، وفي سنة 1926 أو 1927 فتح أحمد أفندي متصرف أربيل باب في القسم الشمالي من القلعة ولا يستبعد ان يكون في مكان الباب القديم أي باب عمكا سمى بالأحمدية نسبة إلى أحمد عثمان، إذ بني الباب عندما كان أحمد عثمان متصرفا لأربيل.
البوابة الغربية: كان يقع الباب في محلة طوبخانه بين دور خربة وغلق في زمن بعيد جدا وقد اتخذت المسافة الواقعة بين موقع الباب إلى حافة القلعة داراً سكنية وبعد ان تهدمت الدار وجداره الغربي على حافة القلعة فان لجنة تطوير القلعة قد أعادت بناء الجدار على حافة القلعة في هذه السنوات بدون ان تعلم شيئا عن هذا الباب، لا نعرف سبب غلق هذا الباب فقد كان موجوداً في عهد المؤرخ ابن المستوفي المتوفى سنة 1239م.
البوابة الجنوبية: كان يمثل برجاً عظيماً للقلعة، هدم في سنة 1956 خوفا من انهياره، حل محلها فيما بعد هيكل حديث في سنة 1979، قامت الهيئة العليا لإحياء قلعة أربيل بتنفيذ مشروع اعادة انشاء البوابة الكبرى في عام 2015 وهي بوابة ضخمة مقوسة.
البوابة الشرقية: ظاهرة من بعيد ذو باب حديدي في الماضي كان الباب يقع بمسافة 18م عن يمين داربيربال اغا حيث ينزل من هناك طريق إلى أسفل القلعة حيث كان الناس يظنون ان ذلك الطريق قد فتح في القلعة في أواخر العهد العثماني لم يعلم أحد ان ذلك الطريق ينحدر من الباب الشرقي الذي كان موجودا قبل تسعة قرون أو في عهود ما قبل الإسلام.
القلعة الآن فيها ثلاثة أبواب هي الباب الكبير الجنوبي، والباب الشمالي (الأحمدي)، والباب الشرقي.
خلال عقد العشرينات من القرن العشرين، كان هناك حوالي 500 منزل داخل القلعة واكثرهم من عشيرة الگوران. وبدأ عدد السكان ينخفض تدريجيا خلال القرن العشرين عندما انتقل السكان الأكثر ثراء للعيش خارج القلعة في منازل أكبر بها حدائق. وفقا لتعداد عام 1995، بلغ عدد سكان القلعة 1600 نسمة يعيشون في 247 منزلا. وقد اعترفت حكومة إقليم كردستان بأهمية القلعة التاريخية، وهي تعمل حاليا مع منظمة اليونسكو لحماية وصيانة هذه الجوهرة المعمارية. ففي عام 2007، رُحل سكان القلعة لبدء أعمال البناء والترميم. وسمح لعائلة واحدة فقط مواصلة العيش في القلعة حتى لا تفقد القلعة لقبها كأقدم قلعة مأهولة بالسكان منذ 300 عام وخططت الحكومة لنقل 50 أسرة للعيش في القلعة فور الانتهاء من أعمال الصيانة والترميم.
ترميم القلعة
يمتد تاريخ قلعة أربيل لأكثر من 6000 عام، وعلى مر السنين، طرأت تغييرات كبيرة على بنيتها الحضرية، مما أدى إلى تدمير العديد من المنازل والمباني العامة. وللأسف، قلعة أربيل في حالة يرثى لها، حيث تتطلب العديد من المباني والجدران إصلاحًا وترميمًا عاجلين. وتفتقر العديد من المنازل إلى شبكات الصرف الصحي والكهرباء والماء علاوة على ذلك، شهد القرن العشرين إضافة شوارع فوق التل، مما سمح بمرور السيارات وساهم ذلك بشكل أكبر في تدهور هذا الموقع التاريخي.
في عام 2014، أُضيفت القلعة إلى قائمة التراث العالمي لليونسكو بعد تخصيص أكثر من 13 مليون دولار من الأموال العامة للحفاظ على الموقع. ومنذ ذلك الحين، تعاونت اليونسكو ومؤسسات أجنبية أخرى مع اللجنة العليا للحفاظ على التراث الثقافي والطبيعي ولإعداد مشروع شامل للحفاظ على القلعة وإعادة تأهيلها، ويبدو أن عمليات الترميم تستغرق وقتًا طويلاً. فقد أثّرت عقود من الاضطرابات المدنية سلبًا على مباني القلعة القديمة، ومع ذلك، أتاحت التطورات الأخيرة في العراق فرصة الحفاظ على القلعة وإصلاحها.
لم يعد أحد يسكن داخل القلعة، ولكن هناك متاحف ومبانٍ قيد الترميم، ومتجر هدايا تذكارية حيث يمكنك شراء مغناطيسات الثلاجة والسجاد، أو حتى فنجان قهوة يحمل صورة صدام حسين. في عام ٢٠٠٤، افتُتح متحف النسيج الكردي في قصر مُجدَّد في الحي الجنوبي الشرقي من القلعة. خلال القرن العشرين، شهدت القلعة تغييرات عمرانية واجتماعية. وخضع الهيكل العمراني لتعديلات كبيرة، مما أدى إلى تدمير العديد من المنازل والمباني العامة. في عام ١٩٢٤، شُيّد خزان مياه فولاذي بارتفاع ١٥ مترًا (٤٩ قدمًا)، مُوفّرًا للسكان مياهًا نقية، ولكنه تسبب أيضًا في أضرار جسيمة لأساسات المباني بسبب زيادة تسرب المياه. انخفض عدد السكان تدريجيًا خلال القرن العشرين مع نمو مدينة اربيل الواقعة عند سفح القلعة، وانتقال السكان الأكثر ثراءً إلى منازل أكبر وأكثر حداثة ذات حدائق. في عام ١٩٦٠، هُدم أكثر من ٦٠ منزلًا ومسجدًا ومدرسة لإفساح المجال لطريق مستقيم يربط البوابة الجنوبية بالبوابة الشمالية.
أُجريت بعض أعمال إعادة الإعمار عام ١٩٧٩ على البوابة الجنوبية للقلعة والحمام. وفي عام ٢٠٠٧، طُردت العائلات الـ ٨٤٠ المتبقية من القلعة كجزء من مشروع كبير لترميمها والحفاظ على طابعها التاريخي. وعُرضت تعويضات مالية على هذه العائلات. وسُمح لعائلة واحدة بالاستمرار في العيش في القلعة لضمان استمرارية السكن في الموقع، وتخطط الحكومة لاستضافة ٥٠ عائلة في القلعة بعد تجديدها. تضم القلعة اليوم ما يقارب ٥٠٠ منزل ومبنى آخر، يُعدّ العديد منها نماذج رائعة للعمارة التقليدية وتقنيات البناء.
إن تقنيات ومواد بناء القلعة تشهد على براعة بناة القلعة. وكان استخدام الطوب الطيني، الذي كان متوفرًا بسهولة ويوفر عزلًا ممتازًا ضد المناخ القاسي، هو السائد. تتميز المباني داخل القلعة بواجهات مزخرفة وأبواب خشبية وتصميمات نوافذ معقدة، مما يُظهر براعة الحرفيين الذين عملوا عليها ويعد مسجد الملا أفندي، الذي يعود تاريخه إلى أواخر العهد العثماني، أحد أبرز المعالم المعمارية في قلعة أربيل. يعمل المسجد بمئذنته المميزة كنقطة محورية داخل القلعة. ومن المباني المهمة الأخرى متحف أربيل للنسيج، والذي يقع في مبنى جميل تم ترميمه يعود تاريخه إلى القرن التاسع عشر ويقدم نظرة ثاقبة على التراث النسيجي الغني في المنطقة. كما يوجد مسجد كبير داخل القلعة مبني على أنقاض كنيسة مدمرة بها حمام قديم. لا يتضح تاريخ القلعة الدقيق لعلماء الآثار على الرغم من أن بعضهم يقول إن تاريخها يعود إلى عام 1775. وتضم القلعة 506 منازل، خمسة منها مبنية على أساس فني هندسي منظم ومزخرف بأشكال هندسية مختلفة. مثل بيت (هاشم الدباغ الجلبي، الملا سالم الجلبي، احمد الجلبي، الشيخ جميل احمد أفندي، موفق حاجي راشد اغا). في الوقت الحاضر يتم إعادة بناء القلعة على اساس شكلها القديم من حيث المنازل والممرات. سيما وأن منازل القلعة، التي يعود تاريخ بعضها إلى القرن الثامن عشر، ذات أهمية معمارية. غالبًا ما تحتوي على إيوانات، وهي مساحات مقببه شبه مفتوحة تعمل كمناطق معيشة موسمية. وتعكس الإيوانات، إلى جانب غرف الاستقبال المزينة بشكل جميل، العادات الاجتماعية ونمط الحياة لسكان القلعة السابقين. ركزت جهود الحفاظ على القلعة على الحفاظ على السمات المعمارية الفريدة للقلعة مع تكييف بعض المباني التاريخية للاستخدام الحديث. يعد هذا التوازن الدقيق بين الحفاظ والوظيفة أمرًا أساسيًا لضمان بقاء القلعة كنصب تذكاري حي
.
زيارة القلعة وبازار القيصرية الكبير
يزور إقليم كردستان العراق ملايين السياح سنويًا، معظمهم من محافظات وسط وجنوب العراق، ويختار معظمهم محافظة أربيل وجهتهم. واربيل موطن لمزيج متنوع من الجماعات العرقية، بما في ذلك الأكراد، والعرب، والتركمان، والآشوريين والكلدان وغالبية سكان أربيل اليوم من الأكراد، وللمنطقة هوية ثقافية مميزة، وتشتهر بجمالها الطبيعي ومعالمها التاريخية وكرم ضيافتها. وأربيل اليوم هي رابع أكبر مدينة في العراق ويبلغ عدد سكانها نصف مليون نسمة. تمتد الشوارع المزدحمة وآلاف المباني شعاعيًا من قلب قلعة أربيل الشامخة. وتُعد القلعة وجهةً لا غنى عنها لأي مسافر إلى أربيل، ويُعد (سوق القيصرية) وجهةً رائعةً تستحق الزيارة. فهو يُقدم لمحةً فريدةً عن تاريخ المدينة وتراثها الثقافي.
وسوق القيصرية ليس مجرد سوق؛ بل هو أشبه بمحطة سفر عبر الزمن. أثناء تجولك في الممرات الضيقة، لن تكون مجرد زائر، بل مسافرًا عبر الزمن. وزيارة بازار القيصرية آمنٌ للغاية، وتُعد أزقة القيصرية وشوارعها المتعرجة مكانًا رائعًا للاستكشاف، حيث توجد العديد من المتاجر والمقاهي والمطاعم. الناس ودودون، والتجار لا يحاولون أبدًا بيعك أي شيء. يعود تاريخ سوق القيصرية إلى العصر العثماني، وهو مكان رائع لشراء الملابس والمجوهرات والحرف اليدوية الكردية التقليدية وهذا هو المكان الأمثل إذا كنت ترغب في شراء بعض التحف والعملات القديمة من العراق القديم.
كما هو الحال في معظم مدن الشرق الأوسط المعاصرة، يمكنك العثور على الهواتف المحمولة والتحف والمجوهرات الفضية والخناجر والدروع وأدوات الملاحة والكتب والسجاد والوسائد المطرزة والمصابيح والأثاث والعملات المعدنية ومجموعات الألعاب وأشياء من جميع أنحاء العراق، بالإضافة إلى المنتجات الطازجة في جميع أنحاء السوق. ويضم السوق أيضًا العديد من بائعي الأطعمة الذين يقدمون الأطباق المحلية مثل الكباب (واشهرها كباب ياسين) والعصائر الموسمية والحلويات. وتُعد متاجر الهدايا من أفضل الأماكن في المدينة لشراء الهدايا التذكارية الأنيقة؛ حيث يمكنك شراء القبعات التقليدية والمجوهرات والسجاد الذي صنعه النساجون الأكراد المحليون والسجاد الفارسي التقليدي الذي تم جلبه عبر الحدود من إيران. يمكنك قضاء يوم كامل هناك لزيارة القلعة والبازار والأسواق.
يُعد مقهى القلعة مكانًا مفضلًا لتناول مشروب أو وجبة سريعة في منطقة القلعة، ومقهى مام خليل هو مقهى شاي قديم لا بد من زيارته في البازار. المكان مليء بالصور القديمة التي جُمعت على مر السنين. وبالتجول بجوار مقهى مام خليل، ستجد متجر جمداني - الوشاح الكردي التقليدي الذي يتغير تصميمه في جميع أنحاء المنطقة - وورشة كلاش - حيث يصنعون ويبيعون الأحذية الكردية التقليدية المصنوعة يدويًا (كًيوا). عادةً، لا يمانع السكان المحليون في التقاط الصور لهم، لذا إذا كنت من محبي التصوير الفوتوغرافي في الشوارع، فهذا هو المكان المناسب للذهاب إليه.
يوفر التجول في منطقة القلعة إطلالة رائعة على الساحة الرئيسية لأربيل ومكان ممتاز لالتقاط الصور التذكارية وأفضل وقت في السنة لزيارة أربيل هو من فبراير إلى مايو أو من سبتمبر إلى ديسمبر. خلال هذه الأشهر، يكون الطقس معتدلًا ولطيفًا، مما يجعله الوقت المثالي لاستكشاف القلعة والمناطق المحيطة بها.
ويكيبيديا - الدكتورة مونيكا بالميرو فرنانديز- ياقوت الحموي/ معجم البلدان - دليل آثار إقليم كوردستان – تقارير د. عبد الله خورشيد قادر -زبير بلال إسماعيل، تأريخ أربيل. المصادر: موقع اليونسكو للتراث العالمي-
3770