الراعي الصالح الذي غادرنا بصمت
سيرة المطران الراحل مار بولس ثابت المكو
† ١٩٧٦-٢٠٢٥
حنّان قيّا
في صباح الثلاثاء، الثامن عشر من حزيران 2025، خيّم الحزن على بلدة ألقوش، وامتدّ إلى كل بيت كلداني في العراق والمهجر، بعد أن أعلن عن وفاة سيادة المطران مار بولس ثابت حبيب المكو، راعي أبرشية ألقوش الكلدانية، عن عمر ناهز 49 عامًا، قضاه في خدمة الإيمان والكنيسة، ورافق فيه شعبه في السراء والضراء.
من كرمليس إلى الكهنوت
وُلد مار بولس ثابت في بلدة كرمليس عام 1976، من عائلة “كدو” الكرمليسية العريقة، التي استقرّت في البلدة منذ عام 1830. أكمل دراسته الابتدائية والثانوية في مسقط رأسه، ثم حصل على بكالوريوس في علوم الأرض، قبل أن يُلبي دعوة الرب إلى الكهنوت.
في عام 2002، التحق بمعهد شمعون الصفا الكهنوتي في بغداد، حيث بدأ مسيرته التكوينية. وفي عام 2005، أُوفد إلى روما لمواصلة دراسته، فحصل على بكالوريوس في اللاهوت، ثم على ماجستير في علم آباء الكنيسة.
كاهن في زمن المحنة
نال السيامة الكهنوتية في 25 تموز 2008 في كنيسة مار أدي – كرمليس، على يد مثلث الرحمة البطريرك مار عمانوئيل دلي. خدم في بلدته حتى صيف عام 2014، حين اجتاح تنظيم داعش الإرهابي مناطق سهل نينوى، فاضطر عشرات الآلاف من المسيحيين إلى النزوح.
حينها، لم يتردد الخورأسقف ثابت حبيب، بل انتقل مع أبناء شعبه إلى عنكاوا – أربيل، وبدأ منذ 7 آب 2014 بخدمة النازحين من سهل نينوى والموصل، روحيًا وإنسانيًا. وكان وجوده بجانبهم مصدر عزاء وقوة، فبقي يخدمهم حتى العودة إلى كرمليس بعد التحرير.
من الأسقفية إلى المطرانية
في آب 2021، اختاره السينودس الكلداني أسقفًا معاونًا لأبرشية ألقوش، وأُعلن عن ذلك في 14 آب. نال السيامة الأسقفية في 22 تشرين الأول 2021 على يد غبطة البطريرك الكاردينال لويس روفائيل ساكو. ثم في 28 تشرين الثاني 2022، تم تنصيبه مطرانًا أصيلاً لأبرشية ألقوش، وسط حضور شعبي كبير.
راعٍ أمين وحارس للهوية
منذ لحظة تسلمه المطرانية، حمل المطران الراحل همَّ الهوية الكلدانية، وكان من أشدّ الغيورين على الطقس الكلداني الأصيل، وعلى لغة الكنيسة وتراثها وتراتيلها ومواسمها. وكان له دور مباشر في رعاية المبادرات الهادفة لحفظ التراث الكنسي والشعبي في ألقوش.
شارك المؤمنين في مهرجانات الأعياد والمواكب الكنسية، وكان حضوره مؤثرًا وصوته مألوفًا في التراتيل والمناسبات، ما جعله محبوبًا من أبناء الأبرشية بكل أطيافهم.
حضور أبوي في المهجر
زار سيادته مؤسسة الجالية الكلدانية في الولايات المتحدة أكثر من مرة خلال خدمته، حيث التقى بأبناء المهجر، واستمع لهم ورافقهم روحيًا. وكان يحمل همّ الوطن والكنيسة في قلبه، ويؤمن أن الشراكة بين الداخل والمهجر هي امتداد واحد لجسد المسيح.
وداعٌ مهيب وصدى واسع
في الخميس 19 حزيران 2025، أُقيم قداس الجنازة في كنيسة ألقوش عند الساعة 11 صباحًا، ترأسه غبطة البطريرك الكاردينال لويس روفائيل ساكو، رئيس الكنيسة الكلدانية الكاثوليكية. وبعده نُقل جثمانه إلى كرمليس، حيث وُري الثرى في تمام الساعة الرابعة عصرًا، بحضور المئات من أبناء كرمليس وألقوش وسهل نينوى.
نعت الكنائس والمسيحيون العراقيون جميعًا المطران الراحل، وشارك في تقديم العزاء مؤمنون من مختلف المكونات العراقية، في صورة تعبّر عن المحبة والمكانة التي احتلها المطران في القلوب.
إرث باقٍ إلى الأبد
برحيله، فقدت الكنيسة الكلدانية راعيًا وأبًا وأخًا وصوتًا هادئًا للثبات، لكنها كسبت إرثًا روحيًا وراعويًا سيبقى يثمر في ألقوش وسهل نينوى.
غادرتنا على الأرض… لكنك باقٍ في قداديسنا، في مواكبنا، وفي لغة صلاتنا.
الراحة الأبدية أعطه يا رب، والنور الدائم فليشرق له.
ليكن ذكره مؤبداً.